فالظن هنا مراد به التوهم وشاع استعماله فيه، ويفهم من كلام الراغب أن التوهم من أفراد الظن وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ أي والذي تشتهيه أنفسهم الأمارة بالسوء على أن ما موصولة وعائدها مقدر- وأل- في الأنفس للعهد، أو عوض عن المضاف إليه، وجوز كون ما مصدرية وكذا جوز كون- أل- للجنس والنفس من حيث هي إنما تهوى غير الأفضل لأنها مجبولة على حب الملاذ وإنما يسوقها إلى حسن العاقبة العقل، والالتفات في يَتَّبِعُونَ إلى الغيبة للإيذان بأن تعداد قبائحهم اقتضى الاعراض عنهم، وحكاية جناياتهم لغيرهم، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى بن عمر- تتبعون- بتاء الخطاب وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى حال من ضمير يَتَّبِعُونَ مقررة لبطلان ما هم عليه من اتباع الظن والهوى، والمراد بالهدى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أو القرآن العظيم على أنه بمعنى الهادي أو جعله هدى مبالغة أي ما يتبعون إلا ذلك، والحال لقد جاءهم من ربهم جل شأنه ما ينبغي لهم معه تركه واتباع سبيل الحق.
وحاصله يَتَّبِعُونَ ذلك في حال ينافيه، وجوز أن تكون الجملة معترضة وهي أيضا مؤكدة لبطلان ذلك أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى أَمْ منقطعة مقدرة- ببل- وهي للانتقال من بيان أن ما هم عليه غير مستند إلا إلى توهمهم وهوى أنفسهم إلى بيان أن ذلك مما لا يجدي نفعا أصلا والهمزة وهي للإنكار والنفي أي بل ليس للإنسان كل ما يتمناه وتشتهيه نفسه، ومفاده قيل: رفع الإيجاب الكلي ومرجعه إلى سالبه جزئية، وإليه يشير قول بعضهم: المراد نفي أن يكون للكفرة ما كانوا يطمعون فيه من شفاعة الآلهة والظفر بالحسنى عند الله تعالى يوم القيامة وما كانوا يشتهونه من نزول القرآن على رجل من إحدى القريتين عظيم ونحو ذلك، ويفهم من كلام بعض المحققين أن المراد السلب الكلي، والمعنى لا شيء مما يتمناه الإنسان مملوكا له مختصا به يتصرف فيه حسب إرادته ويتضمن ذلك نفي أن يكون للكفرة ما ذكر وليس الإنسان خاصا بهم كما قيل، وقوله تعالى: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى تعليل لانتفاء ذلك فإن اختصاص ملك أمور الآخرة والأولى جميعا به تعالى مقتض لانتفاء أن يكون للإنسان أمر من الأمور بل ما شاء الله تعالى له كان وما لم يشأ لم يكن، وقدمت الآخرة اهتماما برد ما هو أهمّ أطماعهم عندهم من الفوز فيها، ولذا أردف ذلك بقوله تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وإقناطهم عما طمعوا به من شفاعة الملائكة عليهم السلام موجب لاقناطهم عن شفاعة الأصنام بطريق الاولوية وَكَمْ خبرية مفيدة للتكثير محلها الرفع على الابتداء، والخبر الجملة المنفية، وجمع الضمير في شفاعتهم مع إفراد الملك باعتبار المعنى أي وكثير من الملائكة لا تغني شفاعتهم عند الله تعالى شيئا من الإغناء في وقت من الأوقات إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لهم في الشفاعة.
لِمَنْ يَشاءُ أن يشفعوا له وَيَرْضى ويراه سبحانه أهلا للشفاعة من أهل التوحيد والإيمان، وأما من عداهم من أهل الكفر والطغيان فهم من إذن الله تعالى بمعزل. وعنه بألف ألف منزل، وجوز أن يكون المراد إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء من الملائكة بالشفاعة ويراه عز وجل أهلا لها، وأيا ما كان فالمعنى على أنه إذا كان حال الملائكة في باب الشفاعة كما ذكر فما ظنهم بحال الأصنام، والكلام قيل من باب:
على لا حب لا يهتدى بمناره فحاصله لا شفاعة لهم ولا غناء بدون أن يأذن الله سبحانه إلخ، وقيل: هو وارد على سبيل الفرض فلا يخالف قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: ٢٥٥]، وقرأ زيد بن علي شفاعته بإفراد الشفاعة والضمير، وابن مقسم شفاعاتهم بجمعهما وهو اختيار صاحب الكامل أبي القاسم الهذلي، وأفردت


الصفحة التالية
Icon