بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ أي قربت جدا وَانْشَقَّ الْقَمَرُ انفصل بعضه عن بعض وصار فرقتين وذلك على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل الهجرة بنحو خمس سنين
فقد صح من رواية الشيخين وابن جرير عن أنس أن أهل مكة سألوه عليه الصلاة والسلام أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما
وخبر أبي نعيم من طريق الضحاك عن ابن عباس- أن أحبار اليهود سألوا آية فأراهم الله تعالى القمر قد انشق-
لا يعوّل عليه،
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرقتين فرقة على الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اشهدوا»
ومن حديثه أيضا «انشق القمر على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة فقال رجل: انتظروا ما يأتيكم به السفار فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم فجاء السفار فأخبروهم بذلك» رواه أبو داود. والطيالسي
وفي رواية البيهقي «فسألوا السفار وقد قدموا من كل وجه فقالوا: رأيناه» فأنزل الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس من وجه ضعيف قال: «اجتمع المشركون على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والعاص بن هشام والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب وربيعة بن الأسود والنضر بن الحارث فقالوا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم: إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين نصفا على أبي قبيس ونصفا على قينقاع فقال لهم النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن فعلت تؤمنوا؟ قالوا:
نعم وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ربه عز وجل أن يعطيه ما سألوا فأمسى القمر قد مثل نصفا على أبي قبيس ونصفا على قينقاع ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ينادي يا أبا سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن الأرقم اشهدوا»
. والأحاديث الصحيحة في الانشقاق كثيرة، واختلف في تواتره فقيل: هو غير متواتر، وفي شرح المواقف الشريفي أنه متواتر وهو الذي اختاره العلامة ابن السبكي قال في شرحه لمختصر ابن الحاجب: الصحيح عندي أن انشقاق القمر متواتر منصوص عليه في القرآن مروي في الصحيحين وغيرهما من طرق شتى بحيث لا يمترى في تواتره انتهى باختصار، وقد جاءت أحاديثه في روايات صحيحة عن جماعة من الصحابة منهم علي كرم الله تعالى وجهه وأنس وابن سعود وابن عباس وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عمر وغيرهم، نعم إن منهم من لم يحضر ذلك كابن عباس فإنه لم يكن مولودا إذ ذاك وكأنس فإنه كان ابن أربع أو خمس بالمدينة، وهذا لا يطعن في صحة الخبر كما لا يخفى، ووقع
في رواية البخاري وغيره عن ابن مسعود «كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بمنى فانشق القمر»
ولا يعارض ما صح عن أنس أن ذلك كان بمكة لأنه لم يصرح بأنه عليه الصلاة والسلام كان ليلتئذ بمكة، فالمراد أن الانشقاق كان والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذ ذاك مقيم بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، ووقع في نظم السيرة للحافظ أبي الفضل العراقي ما هو نص في وقوع الانشقاق عبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: رأيت القمر منشقا شقتين مرتين بمكة قبل مخرج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الحديث، وأما الإجماع فغير مسلم، وفي المواهب قال الحافظ بن حجر: أظن أن قوله:
بالإجماع يتعلق- بانشق- لا بمرتين فإني لا أعلم من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله تعالى عليه وسلم، ولعل قائل مرتين أراد فرقتين، وهذا الذي لا يتجه غيره جمعا بين الروايات انتهى، ولا يخفى أن هذا التأويل مع بعده لا يتسنى في خبر ابن مسعود المذكور آنفا لمكان شقتين وهي بمعنى فرقتين ومرتين معا، والذي عندي في تأويل ذلك أن مرتين في كلام ابن مسعود قيد للرؤية وتعددها لا يقتضي تعدد الانشقاق بأن يكون رآه منشقا