فالماء شامل لماء السماء وماء الأرض، ونحوه قوله:
لنا إبلان فيهما ما علمتم | فعن أيها ما شئتم فتنكبوا |
عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ أي كائنا على حال قد قدرها الله تعالى في الأزل من غير تفاوت أو على حال قدرت وسويت وهي أن ما نزل على قدر ما خرج.
وقيل: إن ماء الأرض علا سبعة عشر ذراعا ونزل ماء السماء مكملا أربعين، وقيل: ما الأرض كان أكثر وله مقدار معين عند الله عز وجل، أو على أمر قدره الله تعالى وكتبه في اللوح المحفوظ وهو هلاك قوم نوح بالطوفان.
ورجحه أبو حيان بأن كل قصة ذكرت بعد ذكر الله تعالى فيها هلاك المكذبين فيكون هذا كناية عن هلاك هؤلاء، وعَلى عليه للتعليل، ويحتمل تعلقها بالتقى. وفيه ردّ على أهل الأحكام النجومية حيث زعموا أن الطوفان لاجتماع الكواكب السبعة ما عدا الزهرة في برج مائي، وقرأ أبو حيوة وابن مقسم «قدّر» بتشديد الدال وَحَمَلْناهُ أي نوحا عليه السلام عَلى ذاتِ أَلْواحٍ أخشاب عريضة وَدُسُرٍ أي مسامير كما قاله الجمهور وابن عباس في رواية ابن جرير، وابن المنذر جمع دسار ككتاب وكتب، وقيل: دُسُرٍ كسقف وسقف. وأصل الدسر الدفع الشديد بقهر فسمي به المسمار لأنه يدق فيدفع بشدة. وقيل: حبال من ليف تشد بها السفن. وقال الليث: خيوط تشد بها ألواحها، وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة والحسن أنها مقاديم السفينة وصدرها الذي تضرب به الموج وتدفعه. وروي عن ابن عباس نحوه. وأخرج عن مجاهد أنها عوارض السفينة أي الخشبات التي تعرض في وسطها.
وفي رواية عنه هي أضلاع السفينة. وأيا ما كان فقوله تعالى: ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات على سبيل الكناية كقولهم: حي مستوي القامة عريض الأظفار في الكناية عن الإنسان وهو من فصيح الكلام وبديعه. ونظير الآية قول الشاعر:
مفرشي صهوة الحصان ولكن | قميصي مسرودة من حديد |
تراءى لها في كل عين مقابل | ولو في عيون النازيات بأكرع |
جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ أي فعلنا ذلك جزاء لنوح عليه السلام فإنه كان نعمة أنعمها الله تعالى على قومه فكفروها وكذا كل نبي نعمة من الله تعالى على أمته، وجوز أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل إلى الضمير