أعيا الورى فهم معناه فليس يرى في القرب والبعد منه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعد صغيرة وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم
وقرأ عكرمة «المدثّر» بتخفيف الدال وتشديد الثاء المكسورة على زنة الفاعل وعنه أيضا «المدثّر» بالتخفيف والتشديد على زنة المفعول من دثره وقال دثرت هذا الأمر وعصب بك أي شد والمعنى أنه المعول عليه فالعظائم به منوطة وأمور حلها وعقدها به مربوطة فكأنه قيل يا من توقف أمور الناس عليه لأنه وسيلتهم عند الله عز وجل قُمْ من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم، وجعله أبو حيان على هذا المعنى من أفعال الشروع كقولهم: قام زيد يفعل كذا وقوله:
علام قام يشتمني لئيم وقام بهذا المعنى من أخوات كاد وتعقب بأنه لا يخفى بعده هنا لأنه استعمال غير مألوف وورود الأمر منه غير معروف مع احتياجه إلى تقدير الخبر فيه وكله تعسف فَأَنْذِرْ أي فافعل الإنذار أو أحدثه فلا يقصد منذر مخصوص، وقيل يقدر المفعول خاصا أي فأنذر عشيرتك الأقربين لمناسبته لابتداء الدعوة في الواقع، وقيل يقدر عاما أي فأنذر جميع الناس لقوله تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ: ٢٨] ولم يقل هنا وبشر لأنه كان في ابتداء النبوة والإنذار هو الغالب إذ ذاك أو هو اكتفاء لأن الإنذار يلزمه التبشير وفي هذا الأمر بعد ذلك النداء إشارة عند بعض السادة إلى مقام الجلوة بعد الخلوة. قالوا: وإليهما الإشارة أيضا في
حديث: «كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف»
إلخ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ واخصص ربك بالتكبير وهو وصفه تعالى بالكبرياء والعظمة اعتقادا وقولا.
ويروى أنه لما نزل قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الله أكبر» فكبرت خديجة وفرحت وأيقنت أنه الوحي
وذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك والأمر بالنسبة إليه صلّى الله عليه وسلم غني عن الاستدلال وجوز أن يحمل على تكبير الصلاة
فقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قلنا يا رسول الله كيف نقول إذا دخلنا في الصلاة؟ فأنزل الله تعالى وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن نفتح الصلاة بالتكبير
. وأنت تعلم أن نزول هذه الآية كان حيث لا صلاة أصلا فهذا الخبر إن صح مؤول والفاء هنا وفيما بعد لإفادة معنى الشرط فكأنه قيل: وما كان أي أي شيء حدث فلا تدع تكبيره عز وجل، فالفاء جزائية وهي لكونها على ما قيل مزحلقة لا يضر عمل ما بعدها فيما قبلها وقيل إنها دخلت في كلامهم على توهم شرط فلما لم تكن في جواب شرط محقق كانت في الحقيقة زائدة فلم يمتنع تقديم معمول ما بعدها عليها لذلك ثم إن في ذكر هذه الجملة بعد الأمر السابق مقدمة على سائر الجمل إشارة إلى مزيد الاهتمام بأمر التكبر وإيماء على ما قيل إلى أن المقصود الأول من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عز وجل وينزهه من الشرك، فإن أول ما يجب معرفة الله تعالى ثم تنزيهه عما لا يليق بجنابه والكلام عليه من باب: إياك أعني واسمعي يا جارة وقد يقال: لعل ذكر هذه الجملة كذلك مسارعة لتشجيعه عليه الصلاة والسلام على الإنذار وعدم مبالاته بما سواه عز وجل حيث تضمنت الإشارة إلى أن نواصي الخلائق بيده تعالى وكل ما سواه مقهور تحت كبريائه تعالى وعظمته، فلا ينبغي أن يرهب إلّا منه ولا يرغب إلّا فيه فكأنه قيل قم فأنذر واخصص ربك بالتكبير فلا يصدنك شيء عن الإنذار فتدبر وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ تطهير الثياب كناية عن تطهير النفس عما تذم به من الأفعال وتهذيبها عما يستهجن من الأحوال لأن


الصفحة التالية
Icon