ورقاب فيدل على أن المشبه بالقصر الواحدة وكذا قراءة عيسى «بشرار» بفتح الشين وألف بين الراءين أيضا فقد قيل إنه جمع لشرارة لا مفرد وجوز على قراءة الكسر أن يكون جمع شر غير أفعل التفضيل كخيار جمع خير وهو حينئذ صفة أقيمت مقام موصوفها أي ترمي بقوم شرار وهو خلاف الظاهر. وقيل القصر الغليظ من الشجر واحده قصرة نحو جمرة وجمر. وقيل قطع من الخشب قدر الذراع وفوقه ودونه يستعد به للشتاء واحده كذلك فالتشبيه من تشبيه الجمع بالجمع من غير احتياج للتأويل بما مر إلّا أن التهويل على القول الأخير دونه على غيره. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن جبير والحسن وابن مقسم «كالقصر» بفتح القاف والصاد وهي أصول النخل وقيل أعناقها واحدها قصرة كشجرة وشجر وفي كتاب النبات الحبة لها قشرتان التحتية تسمى قشرة والفوقية تسمى قصرة ومنه قوله تعالى كَالْقَصْرِ وهو غريب. وقرأ ابن مسعود «كالقصر» بضمتين جمع قصر كرهن ورهن وفي البحر كأنه مقصور من القصور كالنجم من النجوم وهو مخالف للظاهر لأن مثله ضرورة أو شاذ نادر. وقرأ ابن جبير والحسن أيضا «كالقصر» بكسر القاف وفتح الصاد جمع قصرة بفتحتين كحلقة من الحديد وحلق وحاجة
وحوج وبعض القراء «كالقصر» بفتح القاف وكسر الصاد وهو بمعنى القصر في قراءة الجمهور كَأَنَّهُ أي الشرر جِمالَتٌ بكسر الجيم كما قرأ به حمزة والكسائي وحفص وأبو عمرو في رواية الأصمعي وهارون عنه وهو جمع جمل والتاء لتأنيث الجمع كما في البحر يقال جمل وجمال وجمالة أو اسم جمع له كما قيل في حجر وحجارة والتنوين للتكثير صُفْرٌ فإن الشرار لما فيه من النارية والهوائية يكون أصفر فالصفرة على معناها المعروف. وقيل سود والتعبير بصفر لأن سواد الإبل يضرب إلى الصفرة شبه الشرر حين ينفصل من النار في عظمه بالقصر وحين يأخذ فقيل الارتفاع والانبساط لانشقاقه عن أعداد غير محصورة بالجمال لتصور الانشقاق والكثرة والصفرة والحركة المخصوصة. وقد روعي الترتيب في التشبيه رعاية لترتيب الوجود وأفيد أن القصور والجمال يشبه بعضها ببعض ومنه قوله:

فوقفت فيها ناقتي وكأنها فدن (١) لأقضي حاجة المتلوم
فالتشبيه الثاني بيان للتشبيه الأول على معنى أن التشبيه بالقصر كان المتبادر منه إلى الفهم العظم فحسب فلما قيل كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ وهو قائم مقام التخصيص في القصر تكثر وجه الشبه كأنه قيل كأنه قصر من شأنه كذا وكذا، والتشبيه بالجمال في الكثرة والتتابع وسرعة الحركة أيضا والأول هو التحقيق على ما في الكشف وعلى الوجهين ليس التشبيه الثاني من البداء في شيء ولا حاجة في شيء منهما إلى اعتبار كون ضمير كأنه للقصر وقد ألم بشيء من حسن ما وقع في الآية من التشبيه وأبو العلاء المعري في قوله في مرثية واحد من الأشراف:
الموقدي نار القرى الآصال والإسحار بالإهضام والإشعاف
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى ترمي بكل شرارة كطراف
وإن كان قد قصد بذلك المعارضة للآية يكون قد أعمى الله تعالى بصيرته عما فيها من المزية كما أعمى سبحانه بصره. وقرأ الجمهور ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه «جمالات» بكسر الجيم وبالألف والتاء جمع جمال أو جمالة بكسر الجيم فيهما فيكون جمع الجمع أو جمع اسم الجمع والمعنى
(١) فدن كلبن القصر جمعه أفدان اهـ منه.


الصفحة التالية
Icon