تتميمها بما يتم به كمالها من الكواكب والمتممات والتداوير وغيرها مما بيّن في علم الهيئة من قولهم: سوّى أمره أي أصلحه أو من قولهم: استوت الفاكهة إذا نضجت، وأنت تعلم أن هذا مع بنائه على اتحاد السماوات والأفلاك غير معروف في الصدر الأول من المسلمين لعدم وروده عن صاحب المعراج رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعدم ظهور الدليل عليه والأدلة التي يذكرها الهيئة لتلك الأمور لا يخفى حالها ولذا لم يقل بما تقتضيه مخالفوهم من أهل الهيئة اليوم والله تعالى أعلم بحقيقة الحال وَأَغْطَشَ لَيْلَها أي جعله مظلما، يقال: غطش الليل وأغطشه الله تعالى كما يقال: ظلم وأظلمه، ويقال أيضا: أغطش الليل كما يقال أظلم وجاء ليلة غطشاء وليل أغطش وغطش. قال الأعشى:
عقرت لهم ناقتي موهنا... فليلهم مدلهم غطش
وفي البحر عن كتاب اللغات في القرآن أَغْطَشَ أظلم بلغة أنمار وأشعر وَأَخْرَجَ ضُحاها أي أبرز نهارها، والضحى في الأصل على ما يفهم من كلام الراغب انبساط الشمس وامتداد النهار ثم سمّي به الوقت المعروف وشاع في ذلك وتجوز به عن النهار بقرينة المقابلة. وقيل: الكلام على حذف مضاف أي ضحى شمسها أي ضوء شمسها وكنى بذلك عن النهار والأول أقرب، وعبر عن النهار بالضحى لأنه أشرف أوقاته وأطيبها وفيه من انتعاش الأرواح ما ليس في سائرها فكان أوفق لمقام تذكير الحجة على منكري البعث وإعادة الأرواح إلى أبدانها. وقيل: إنه لذلك كان أحق بالذكر في مقام الامتنان وإضافة الليل والضحى إلى السماء لأنهما يحدثان بسبب غروب الشمس وطلوعها وهي سماوية أو وهما إنما يحصلان بسبب حركتها على القول بحركتها لاتحادها مع الفلك أو وهما إنما يحصلان بسبب حركة الشمس في فلكها فيها على القول بأن السماء والفلك متغايران والمتحرك إنما هو الكوكب في الفلك كما يقتضيه ظاهر قوله تعالى كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء: ٣٣، يس: ٤٠] وإن الفلك ليس إلّا مجرى الكوكب في السماء، وقيل: أضيفا إليها لأنهما أول ما يظهران منها إذ أول الليل بإقبال الظلام من جهة المشرق، وأول النهار بطلوع الفجر وإقبال الضياء منه. وفي الكشاف أضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلها والشمس هي السراج المثقب في جوّها، واعترض بأن الليل ظل الأرض وأجيب بأنه اعتبار بمرأى الناظر كذلك كما أن زينة السماء الدنيا أيضا اعتبار بمرأى الناظر. وقيل إضافتهما إليها باعتبار أنهما إنما يحدثان تحتها وشملا بهذا الاعتبار ما لم يكد يخطر في أذهان العرب من ليل ونهار طول كل منهما ستة أشهر وهما ليل ونهار عرض تسعين حيث الدور رحوي وتعقب بأنهم قالوا: إن ظل الأرض المخروطي ينتهي إلى فلك الزهرة وهي في السماء الثالثة فالحصر غير تام وفيه نظر فتأمل، وبالجملة الإضافة لأدنى ملابسة. وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ الظاهر أنه إشارة إلى ما تقدم من خلق السماء وإغطاش الليل وإخراج النهار دون خلق السماء فقط، وانتصاب الْأَرْضَ بمضمر قيل على شريطة التفسير وقيل تقديره تذكر أو تدبر أو اذكر وستعلم ما في ذلك إن شاء الله تعالى. ومعنى قوله تعالى دَحاها بسطها ومدها لسكنى أهلها وتقلبهم في أقطارها من الدحو أو الدحي بمعنى البسط وعليه قول أمية بن أبي الصلت:
وبث الخلق فيها إذ دحاها... فهم قطانها حتى التنادي
وقيل: دَحاها سواها. وأنشدوا قول زيد بن عمرو بن نفيل:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت... له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استوت شدها... بأيد وأرسى عليها الجبالا


الصفحة التالية
Icon