وقيل ضمير لَعَلَّهُ للكافر والترجي راجع إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم أي إنك طمعت في تزكيه بالإسلام وتذكره بالموعظة ولذلك أعرضت عن غيره فما يدريك أن ما طمعت فيه كائن وضعف بعدم تقدم ذكر الكافر وبإفراد الضمير والظاهر جمعه أي بناء على المشهور في أن من تشاغل عليه الصلاة والسلام به كان جمعا وجاء في بعض الروايات أنه كان واحدا. وقرأ الأعرج وعاصم في رواية «أو يذكر» بسكون الذال وضم الكاف وقرأ الأكثر «فتنفعه» بالرفع عطفا على يَذَّكَّرُ وبالنصب قرأ عاصم في المشهور والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة والزعفراني وهو عند البصريين بإضمار أن بعد الفاء وعند الكوفيين في جواب الترجي وهو كالتمني عندهم ينصب في جوابه. وفي الكشف أن النصب يؤيد رجوع ضمير لعله على الكافر لإشمام الترجي معنى التمني لبعد المرجو من الحصول أي بالنظر إلى المجموع إذ قد حصل من العباس وعلى السابق وجهه ترشيح معنى الهضم فتذكر أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى أي عن الإيمان وعما عندك من العلوم والمعارف التي ينطوي عليها القرآن وفي معناه ما قيل استغنى بكفره عما يهديه وقيل: أي وأما من كان ذا ثروة وغنى وتعقب بأنه لو كان كذلك لذكر الفقر في مقابله وأجيب بما ستعمله إن شاء الله تعالى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى أي تتصدى وتتعرض بالإقبال عليه والاهتمام بإرشاده واستصلاحه وفيه مزيد تنفير له صلّى الله عليه وسلم عن مصاحبتهم فإن الإقبال على المدبر مخل بالمروءة، ومن هنا قيل:
لا أبتغي وصل من لا يبتغي صلتي | ولا ألين لمن لا يبتغي ليني |
والله لو كرهت كفي مصاحبتي | يوما لقلت لها عن صحبتي بيني |
وقرأ الحرميان
«تصدّى» بتشديد الصاد على أن الأصل تتصدى فقلبت التاء صادا وأدغمت وقرأ أبو جعفر
«تصدّى» بضم التاء وتخفيف الصاد مبنيا للمعفول أي تعرض ومعناه يدعوك إلى التصدّي والتعرض له داع من الحرص ومزيد الرغبة في إسلامه، وأصل تَصَدَّى على ما في البحر تصدد من الصدد وهو ما استقبلك وصار قبالتك يقال داري صدد داره أي قبالتها، وقيل من الصدى وهو العطش وقيل من الصدى وهو الصوت المعروف وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم فما نافية والجملة حال من ضمير تَصَدَّى والممنوع عنه في الحقيقة الإعراض عمن أسلم لا الإقبال على غيره والاهتمام بأمره حرصا على إسلامه، ويجوز أن تكون ما استفهامية للإنكار أي أي شيء عليك في أن لا يتزكى ومآله النفي أيضا وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى أي حال كونه مسرعا طالبا لما عندك من أحكام الرشد وخصال الخير وَهُوَ يَخْشى أي يخاف الله تعالى وقيل أذية الكفار في الإتيان وقيل العثار والكبوة إذ لم يكن معه قائد والجملة حال من فاعل يَسْعى كما أن جملة يَسْعى حال من فاعل جاءَكَ واستظهر بعض الأفاضل أن النظم الجليل من الاحتباك ذكر الغنى أولا للدلالة على الفقر ثانيا، والمجيء والخشية ثانيا للدلالة على ضدهما أولا وكأنه حمل استغنى على ما نقل أخيرا واستشعر ما قيل عليه فاحتاج لدفعه إلى هذا التكلف وعدم الاحتياج إليه على ما نقلناه في غاية الظهور فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى تتشاغل يقال لهى عنه كرضى ورمى والتهى وتلهى. وفي تقديم ضميره عليه الصلاة والسلام على الفعلين تنبيه على أن مناط الإنكار خصوصيته عليه الصلاة والسلام وتقديم له وعنه قيل للتعريض بالاهتمام بمضمونها وقيل للعناية لأنهما منشأ العتاب وقيل للفاصلة وقيل للحصر وذكر التصدي في المستغني دون الاشتغال به وهو المقابل للتلهي عن المسرع الخاشي والتلهي عنه دون عدم التصدي له وهو المقابل للتصدي لذلك قيل للإشعار