قيل مُطَهَّرَةٍ منزهة عن مساس أيدي الشياطين أو عن كل دنس على ما روي عن الحسن، وقيل: عن الشبه والتناقص والأول قيل مأخوذ من مقابلته بقوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ أي كتبة من الملائكة عليهم السلام كما قال مجاهد وجماعة فإنهم ينسخون الكتب من اللوح وهو جمع سافر أي كاتب والمصدر السفر كالضرب.
وعن ابن عباس هم الملائكة المتوسطون بين الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام على أن جمع سافر أيضا بمعنى سفير أي رسول وواسطة، والمشهور في مصدره بهذا المعنى السفارة بكسر السين وفتحها وجاء فيه السفر أيضا كما في القاموس. وقيل: هم الأنبياء عليهم السلام لأنهم سفراء بين الله تعالى والأمة أو لأنهم يكتبون الوحي ولا يخفى بعده فإن الأنبياء عليهم السلام وظيفتهم التلقي من الوحي لا الكتب لما يوحى على أن خاتمهم صلّى الله عليه وسلم لم يكن يكتب القرآن بل لم يكتب أصلا على ما هو الشائع وقد مر تحقيقه وكذا وظيفتهم إرشاد الأمة بالأمر والنهي وتعليم الشرائع والأحكام لا مجرد السفارة إليهم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب بن منبه أنهم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم قيل لأنهم سفراء ووسائط بينه عليه الصلاة والسلام وبين سائر الأمة، وقيل: لأن بعضهم يسفر إلى بعض في الخير والتعليم والتعلم وفي رواية عن قتادة أنهم القراء وكان القولين ليس بالمعول عليه وقد قالوا هذه اللفظة مختصة بالملائكة عليهم السلام لا تكاد تطلق على غيرهم وإن جاز الإطلاق بحسب اللغة ومادتها موضوعة بجميع تراكيبها لما يتضمن الكشف كسفرت المرأة إذا كشفت القناع عن وجهها والباء قيل متعلقة ب مُطَهَّرَةٍ وقيل بمضمر هو صفة أخرى ل صُحُفٍ كِرامٍ أي أعزاء على الله تعالى معظمين عنده عز وجل فهو من الكرامة بمعنى التوقير أو متعطفين على المؤمنين يستغفرون لهم ويرشدونهم إلى ما فيه الخير بالإلهام وينزلون بما فيه تكميلهم من الشرائع فهو من الكرم ضد اللؤم بَرَرَةٍ أي أتقياء وقيل مطيعين الله تعالى من قولهم فلان يبر خالقه أي يطيعه وقيل صادقين من بر في يمينه وهو جمع بر لا غير، وأما أبرار فيكون جمع بر كرب وأرباب وجمع بار كصاحب وأصحاب وإن منعه بعض النحاة لعدم اطّراده واختص على ما قيل الجمع الأول بالملائكة والثاني بالآدميين في القرآن ولسان الشارع صلّى الله عليه وسلم وكان ذلك لأن الأبرار من صيغ القلة دون البررة، ومتقو الملائكة أكثر من متقي الآدميين فناسب استعمال صيغة القلة وإن لم ترد حقيقتها في الآدميين دونهم. وقال الراغب. خص البررة بهم من حيث إنه أبلغ من أبرار فإنه جمع بر وأبرار جمع بار، وبر أبلغ من بار كما أن عدلا أبلغ من عادل وكأنه عنى أن الوصف ببر أبلغ لكونه من قبيل الوصف بالمصدر من الوصف ببار لكن قد سمعت أن أبرارا يكون جمع بر كما يكون جمع بار وأيضا في كون الملائكة أحق بالوصف بالأبلغ بالنسبة إلى الآدميين مطلقا بحث. وقيل: إن الأبرار أبلغ من البررة إذ هو جمع بار والبررة جمع بر وبار أبلغ منه لزيادة بنيته ولما كانت صفات الكمال في بني آدم تكون كاملة وناقصة وصفوا بالأبرار إشارة إلى مدحهم بأكمل الأوصاف، وأما الملائكة فصفات الكمال فيهم لا تكون ناقصة فوصفوا بالبررة لأنه يدل على أصل الوصف بقطع النظر عن المبالغة فيه لعدم احتياجهم لذلك وإشارة لفضيلة البشر لما في كونهم أبرارا من المجاهدة وعصيان داعي الجبلة وفيه ما لا يخفى ومن استعمال البررة في الملائكة ما
أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأه وهو عليه شاق له أجران».
قُتِلَ الْإِنْسانُ دعاء عليه بأشنع الدعوات وأفظعها ما أَكْفَرَهُ تعجيب من إفراطه في الكفران وبيان لاستحقاقه الدعاء عليه والمراد به إما من استغنى عن القرآن الكريم الذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة للإقبال