أخرج الشيخان والترمذي وأبو داود عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «ليس أحد يحاسب إلّا هلك» قلت: يا رسول الله، جعلني الله تعالى فداك أليس الله تعالى يقول فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً؟ قال: «ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك»
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن مردويه والحاكم وصححه عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: «اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصرف عليه الصلاة والسلام قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال: «أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه»
وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً أي عشيرته المؤمنين مبتهجا بحاله قائلا هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ [الحاقة: ١٩] وقيل أي فريق المؤمنين مطلقا وإن لم يكونوا عشيرته إذ كل المؤمنين أهل للمؤمن من جهة الاشتراك في الإيمان، وقيل: أي إلى خاصته ومن أعده الله تعالى له في الجنة من الحور والغلمان، وأخرج هذا ابن المنذر عن مجاهد. وقرأ زيد بن علي «ويقلب» مضارع قلب مبنيا للمفعول.
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ أي يؤتاه بشماله من وراء ظهره، قيل: تغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله. وروي أن شماله تدخل في صدره حتى تخرج من وراء ظهره فيأخذ كتابه بها فلا تدافع بين ما هنا وما في سورة الحاقة حيث لم يذكر فيه الظهر ثم هذا إن كان في الكفرة وما قبله في المؤمنين المتقين فلا تعرض هنا للعصاة كما استظهره في البحر. وقيل: لا بعد في إدخال العصاة في أهل اليمين إما لأنهم يعطون كتبهم باليمين بعد الخروج من النار كما اختاره ابن عطية أو لأنهم يعطونها بها قبل لكن مع حساب فوق حساب المتقين ودون حساب الكافرين، ويكون قوله تعالى فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً من وصف الكل بوصف البعض، وقيل: إنهم يعطونها بالشمال وتمييز الكفرة بكون الإعطاء من وراء ظهورهم ولعل ذلك لأن مؤتي الكتب لا يتحملون مشاهدة وجوههم لكمال بشاعتها أو لغاية بغضهم إياهم أو لأنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً يطلبه ويناديه ويقول: يا ثبوراه تعالى فهذا أوانك والثبور الهلاك وهو جامع لأنواع المكاره وَيَصْلى سَعِيراً يقاسي حرها أو يدخلها، وقرأ أكثر السبعة وعمر بن عبد العزيز وأبو الشعثاء والحسن والأعرج «يصلّى» بضم الياء وفتح الصاد واللام مشددة من التصلية لقوله تعالى وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة: ٩٤] وقرأ أبو الأشهب وخارجة عن نافع وأبان عن عاصم والعتكي وجماعة عن أبي عمرو «يصلى» بضم الياء ساكن الصاد مخفف اللام مبنيا للمفعول من الإصلاء لقوله تعالى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ [النساء: ١١٥] إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ في الدنيا مَسْرُوراً فرحا بطرا مترفا لا يخطر بباله أمور الآخرة ولا يتفكر في العواقب ولم يكن حزينا متفكرا في حاله ومآله كسنة الصلحاء والمتقين، والجملة استئناف لبيان علة ما قبلها. وقوله تعالى إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ تعليل لسروره في الدنيا أي ظن أن لن يرجع إلى الله تعالى تكذيبا للمعاد، وقيل: ظن أن لن يرجع إلى العدم أي ظن أنه لا يموت وكان غافلا عن الموت غير مستعد له وليس بشيء، والحور الرجوع مطلقا ومنه قول الشاعر:

وما المرء إلّا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
والتقييد هنا بقرينة المقام وأَنْ مخففة من الثقيلة سادّة مع ما في حيزها مسد مفعولي الظن على المشهور بَلى إيجاب لما بعد لَنْ وقوله تعالى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً تحقيق وتعليل له أي بلى يحور البتة أن ربه عز وجل الذي خلقه كان به وبأعماله الموجبة للجزاء بصيرا بحيث لا تخفى عليه سبحانه منها خافية فلا بد من رجعة وحسابه ومجازاته فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ هي الحمرة التي تشاهد في أفق المغرب


الصفحة التالية
Icon