إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ وما بينهما اعتراض جيء به لما ذكر من تأكيد فخامة المقسم به المستتبع لتأكيد مضمون الجملة المقسم عليها، وقيل جوابه قوله سبحانه إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ وما في البين اعتراض وهو كما ترى وإِنْ نافية ولَمَّا بمعنى إلّا ومجيئها كذلك لغة مشهورة كما نقل أبو حيان عن الأخفش في هذيل وغيرهم يقولون: أقسمت عليك أو سألتك لما فعلت كذا يريدون إلا وفعلت، وبهذا رد على الجوهري المنكر لذلك. وقال الرضي: لا تجيء إلّا بعد نفي ظاهر أو مقدر ولا تكون إلا في المفرغ أي بخلاف. إلّا وكُلُّ لتأكيد العموم لتحقق أصله من وقوع النكرة في سياق النفي وهو مبتدأ والخبر على المشهور حافِظٌ وعَلَيْها متعلق به وعلى ما سمعت عن الرضي محذوف أي ما كل نفس كائنة في حال من الأحوال إلا في حال أن يكون عليها حافظ أي مهيمن ورقيب وهو الله عز وجل كما في قوله تعالى وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً [الأحزاب: ٥٢].
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل | خلوت ولكن قل عليّ رقيب |
وعن أبي أمامة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبّون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين».
وقيل: هو العقل يرشد المرء إلى مصالحه ويكفه عن مضاره.
وقرأ الأكثر لما بالتخفيف، فعند الكوفيين إِنْ نافية كما سبق واللام بمعنى إلّا، وما زائدة. وصرحوا هنا بأن كُلُّ وحافِظٌ مبتدأ وخبر فلا تغفل. وعند البصريين إن مخففة من الثقيلة وكُلُّ مبتدأ و (ما) زائدة واللام هي الداخلة للفرق بين إن النافية وإن المخففة وحافِظٌ خبر المبتدأ وعَلَيْها متعلق به وقدر لأن ضمير الشأن وتعقب بأنه لا حاجة إليه لأنه في غير المفتوحة ضعيف لعدم العمل مع أنه مخل بإدخال اللام الفارقة لأنه إذا كان الخبر جملة فالأولى إدخال اللام على الجزء الأول كما صرح به في التسهيل، وإدخالها على الجزء الثاني كما صرح به بعض الأفاضل في حواشيه عليه، ولعل من قال أي إن الشأن كل نفس لعليها حافظ لم يرد تقدير الضمير وإنما أراد بيان حاصل المعنى. وحكى هارون أنه قرىء «إنّ» بالتشديد «وكلّ» بالنصب و «لما» بالتخفيف فاللام هي الداخلة في خبر «إن» و «ما» زائدة وعلى جميع القراءات أمر الجوابية ظاهر لوجود ما يتلقى به القسم وتلقيه بالمشددة مشهور وبالمخففة تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات: ٥٦] وبالنافية وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما [فاطر: ٤١] وقوله تعالى فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ متفرع على ما قبله وليست الفاء بفصيحة خلافا للطيبي إذ لا يحتاج إلى حذف في استقامة الكلام إما على تقدير أن يكون الحافظ هو الله عز وجل أو الملك الذي وكله تعالى شأنه للحفظ على الوجه الذي سمعت فلأنه لما أثبت سبحانه أن عليه رقيبا منه تعالى حثه على النظر المعرف لذلك مع أوصافه، كأنه قيل فليعرف المهيمن عليه بنصبه الرقيب أو بنفسه، وليعلم رجوعه إليه تعالى، وليفعل ما يسر به حال الرجوع. وعبر عن الأول بقوله تعالى فَلْيَنْظُرِ ليبين طريقه المعرفة فهو بسط فيه إيجاز وأدمج فيه الأخيران وإما على تقدير أن يكون المراد به العقل فلأنه لما أثبت سبحانه أن له عقلا يرشد إلى المصالح ويكف عن المضار حثه على استعماله فيما ينفعه وعدم تعطليه وإلغائه كأنه قيل: فلينظر بعقله وليتفكر به في مبدأ خلقه حتى يتضح له قدرة واهبه وأنه إذا قدر