أيضا وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ المرفوع مبتدأ وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لوقوعه في موضع التنويع، وقيل لأن تقدير الكلام أصحاب وجوه والخبر ما بعد والظرف متعلق به والتنوين عوض عن جملة أشعرت بها الْغاشِيَةِ أي يوم إذا غشيت. والجملة إلى قوله تعالى مَبْثُوثَةٌ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من الاستفهام التشويقي كأن قيل من جهته عليه الصلاة والسلام ما أتاني حديثها ما هو؟ فقيل وُجُوهٌ إلخ. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لم يكن أتاه صلّى الله عليه وسلم حديثها فأخبره سبحانه عنها فقال جل وعلا وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ والمراد بخاشعة ذليلة ولم توصف بالذل ابتداء لما في وصفها بالخشوع من الإشارة إلى التهكم وإنها لم تخشع في وقت ينفع فيه الخشوع، وكذا حال وصفها بالعمل في قوله سبحانه عامِلَةٌ على ما قيل وهو وقوله تعالى ناصِبَةٌ خبران آخران لوجوه إذ المراد بها أصحابها وفي ذلك الاحتمالات أخر ستأتي إن شاء الله تعالى أي عاملة في ذلك اليوم تعبة فيه، وذلك في النار على ما روي عن ابن عباس والحسن وابن جبير وقتادة، وعملها فيها على ما قيل جر السلاسل والأغلال والخوض فيها خوض الإبل في الوحل والصعود والهبوط في تلالها ووهادها وذلك جزاء التكبر عن العمل وطاعة الله تعالى في الدنيا وعن زيد بن أسلم أنه قال: أي عامِلَةٌ في الدنيا ناصِبَةٌ فيها لأنها على غير هدى فلا ثمرة لها إلّا النّصب وخاتمته النار وجاء ذلك في رواية أخرى عن ابن عباس وابن جبير أيضا. والظاهر أن الخشوع عند هؤلاء باق على كونه في الآخرة وعليه فيومئذ لا تعلق له بالوصفين معنى بل متعلقهما في الدنيا ولا يخفى ما في هذا الوجه من البعد وظهور أن العمل لا يكون في الآخرة بعد تسليمه لا يجدي نفعا في دفع بعده. وقال عكرمة عامِلَةٌ في الدنيا ناصِبَةٌ يوم القيامة والظاهر أن الخشوع على ما مر ولا يخفى ما في جعل المحاط باستقبالين ماضويا من البعد، وقيل: الأوصاف الثلاثة في الدنيا والكلام على منوال:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة أي ظهر لهم يومئذ أنها كانت خاشعة عاملة ناصبة في الدنيا من غير نفع وأما قبل ذلك اليوم فكانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعا وهؤلاء النساك من اليهود والنصارى كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس ويشمل غيرهم مما شاكلهم من نساك أهل الضلال وهذا الوجه أبعد من أخويه. وقوله تعالى تَصْلى ناراً حامِيَةً متناهية في الحر من حميت النار إذا اشتد حرها خبر آخر ل وُجُوهٌ وقيل خاشِعَةٌ صفة لها وما بعد أخبار، وقيل: الأولان صفتان والأخيران خبران، وقيل: الثلاثة الأول صفات وهذه الجملة هي الخبر والكل كما ترى. وجوز أن يكون هذا وما بعده من الجملتين استئنافا مبينا لتفاصيل أحوالها. وقرأ ابن كثير في رواية شبل وحميد وابن محيصن «عاملة ناصبة» بالنصب على الذم. وقرأ أبو رجاء وابن محيصن ويعقوب وأبو عمرو وأبو بكر «تصلى» بضم التاء وقرأ خارجة «تصلّى» بضم التاء وفتح الصاد مشدد اللام للمبالغة تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ بلغت اناها أي غايتها في الحر فهي متناهية فيه كما في قوله تعالى وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن: ٤٤] وهو التفسير المشهور. وقد روي عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقال ابن زيد أي حاضرة لهم من قولهم أنى الشيء حضر وليس بذاك لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ بيان لطعامهم إثر بيان شرابهم، والضريع كما أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس الشبرق اليابس وهي على ما قاله عكرمة شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض. وقال غير واحد: هو جنس من الشوك ترعاه الإبل رطبا فإذا يبس تحامته وهو سم قاتل. قال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى | وصار ضريعا بان عنه النحائص |