التفتازاني في التلويح بدل من اللَّيْلِ وخروجها عن الظرفية مما لا بأس به، أو ظرف متعلق بمضاف مقدر وهو العظمة على ما اختاره بعضهم، والإقسام بذلك الوقت أو تقييد العظمة به لما فيه من وضوح الدلالة على كمال القدرة ووفور النعمة أو يسري فيه على ما نقل أبو حيان عن الأخفش وابن قتيبة، كقولهم: صلى المقام أي صلى فيه على أنه تجوز فيه الإسناد بإسناد ما للشيء للزمان كما يسند للمكان، وأيّا ما كان فالمراد بالليل جنسه. وقال مجاهد وعكرمة والكلبي: المراد به ليلة النحر وهي يسري الحاج فيها إلى المزدلفة بعد الإفاضة من عرفات وليس بذاك، والإقسام والتقييد على الوجه الأخير لما في السير في الليل من نعمة الحفظ من حر الشمس وشر قطاع الطريق غالبا وحذفت الياء عند الجمهور وصلا ووقفا من آخر يَسْرِ مع أنها لام مضارع غير مجزوم اكتفاء عنها بالكسرة للتخفيف ولتتوافق رؤوس الآي ولذا وسمت كذلك في المصاحف، ولا ينبغي أن يقال إنها حذفت لسقوطها في خطها فإنه يقتضي أن القراءة باتباع الرسم دون رواية سابقة عليه وهو غير صحيح. وخص نافع وأبو عمرو في رواية هذا الحذف بالوقف لمراعاة الفواصل ولم يحذف مطلقا ابن كثير ويعقوب. وفي تفسير البغوي سئل الأخفش عن علة سقوط ياء يَسْرِ فقال: الليل لا يسري ولكن يسرى فيه وهو تعليل كثيرا ما يسأل عنه لخفائه والجواب أنه أراد أنه لما عدل عن الظاهر في المعنى وغيرهما كان حقه معنى غير لفظه لأن الشيء يجر جنسه لإلفه به:
إن الطيور على أمثالها تقع وهذا كما قيل في قوله تعالى ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [مريم: ٢٨] أنه لما عدل عن باغية أسقطت منه التاء ولم يقل بغية، ومثله من بدائع اللغة العربية ويمكن التعليل بنحوه على تفسير يَسْرِ بيمضي لما فيه من العدول عن الظاهر في المعنى أيضا علمت من أنه مجاز في ذلك. وقرأ أبو الدينار الأعرابي و «الفجر» و «الوتر» و «يسر» بالتنوين في الثلاثة. قال ابن خالويه: هذا كما روي عن بعض العرب أنه وقف على أواخر القوافي بالتنوين وإن كانت أفعالا أو فيها أل نحو قوله:

أقلي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن
انتهى. وهذا كما قال أبو حيان ذكره النحويون في القوافي المطلقة يعني المحركة إذا لم يترنم الشاعر وهو أحد وجهين للعرب إذا لم يترنموا، والوجه الآخر الوقوف فيقولون: العتاب وأصاب كحالهم إذا وقفوا على الكلمة في النثر، وهذا الأعرابي أجرى الفواصل مجرى الوقف وعاملها معاملة القوافي المطلقة ويسمى هذا التنوين تنوين الترنم ولا اختصاص له بالاسم، ويغلب على ظني أنه قيل يكتب نونا بخلاف أقسام التنوين المختصة بالاسم. وقوله تعالى هَلْ فِي ذلِكَ إلخ تحقيق وتقرير لفخامة الأشياء المذكورة المقسم بها وكونها مستحقة لأن تعظم بالإقسام بها فيدل على تعظيم المقسم عليه وتأكيده من طريق الكناية فذلك إشارة إلى المقسم به وما فيه من معنى البعد لزيارة تعظيمه أي هل فيما ذكر من الأشياء قَسَمٌ أي مقسم به لِذِي حِجْرٍ أي هل يحق عنده أن يقسم به إجلالا وتعظيما، والمراد تحقيق أن الكل كذلك وإنما أوثرت هذه الطريق هضما للحق وإيذانا بظهور الأمر، وهذا كما يقول المتكلم بعد ذكر دليل واضح الدلالة على مدعاة هل دل هذا على ما قلناه. وجوز أن يكون التحقيق أن ذوي الحجر يؤكدون بمثل ذلك المقسم عليه فيدل أيضا على تعظيمه وتأكيده فذلك إشارة إلى المصدر أعني الإقسام هل في إقسامي بتلك الأشياء إقسام لذي حجر مقبول عنده يعتد به ويفعل مثله ويؤكد به المقسم عليه؟ وحاصل الوجهين فيما يرجع إلى تأكيد المقسم


الصفحة التالية
Icon