لالتقائهما في معنى التعظيم لله عز وجل لأن الاستثناء تفويض إليه سبحانه والتسبيح تنزيه له تعالى وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم فكأنه قيل ألم أقل لكم لولا تستثنون أي تقولون إن شاء الله تعالى. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي وابن المنذر عن ابن جريج وحكاه في البحر عن مجاهد وأبي صالح أنهما قالا كان استثناؤهم في ذلك الزمان التسبيح كما نقول نحن إن شاء الله تعالى وجعله بعض الحنفية استثناء اليوم فعنده لو قال لزوجته أنت طالق سبحان الله لا تطلق، ونسب إلى الإمام ابن الهمام وادعى أنه قاله في فتاويه، ووجه بأن المراد بسبحان الله فيما ذكر أنزه الله عز وجل من أن يخلق البغيض إليه وهو الطلاق فإنه قد ورد أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق وأنكر بعض المتأخرين نسبته إلى ذلك الإمام المتقدم ونفى أن يكون له فتاوى.
واعترض التوجيه المذكور بما اعترض وهو لعمري أدنى من أن يعترض عليه. وأنا أقول أولى منه قول النحاس في توجيه جعل التسبيح موضع الاستثناء أن المعنى تنزيه الله تعالى أن يكون شيء إلا بمشيئته وقد يقال: لعل من قال ذلك بنى الأمر على صحة ما روي وإن شرع من قبلنا شرع لنا إذا قصه الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلم علينا من غير نكير وهذا على علاته أحسن مما قيل في توجيهه كما لا يخفى. وقيل: المعنى لولا تستغفرون ووجه التجوز يعلم مما تقدم فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ يلوم بعضهم بعضا فإن منهم على ما قيل من أشار بذلك ومنهم من استصوبه ومنهم من سكت راضيا به ومنهم من أنكره ولا يأبى ذلك إسناد الأفعال فيما سبق إلى جميعهم لما علم في غير موضع قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ متجاوزين حدود الله تعالى عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا أي يعطينا بدلا منها ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة خَيْراً مِنْها أي من تلك الجنة إِنَّا إِلى رَبِّنا لا إلى غيره سبحانه راغِبُونَ راجون العفو طالبون الخير وإِلى لانتهاء الرغبة أو لتضمنها معنى الرجوع وعن مجاهد أنهم تابوا فأبدلوا خيرا منها وروي أنهم تعاقدوا وقالوا إن أبدلنا الله تعالى خير منها لنصنعن كما صنع أبونا فدعوا الله عز وجل وتضرعوا إليه سبحانه فأبدلهم الله تعالى من ليلتهم ما هو خير منها وقال ابن مسعود: بلغني أن القوم دعوا الله تعالى وأخلصوا وعلم الله تعالى منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل على البغل منها عنقود وقال أبو خالد اليماني رأيت تلك الجنة وكل عنقود منها كالرجل الأسود القائم واستظهر أبو حيان أنهم كانوا مؤمنين أصابوا معصية وتابوا، وحكي عن بعض أنهم كانوا من أهل الكتاب وعن التستري أن المعظم يقولون إنهم تابوا وأخلصوا وتوقف الحسن في إيمانهم فقال: لا أدري أكان قولهم إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ إيمانا أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة. وسئل قتادة عنهم أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال للسائل: لقد كلفتني تعنتا وقرأ نافع وأبو عمرو «يبدلنا» مشددا كَذلِكَ الْعَذابُ جملة من مبتدأ وخبر مقدم لإفادة القصر وال للعهد أي مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة من الجدب الشديد وأصحاب الجنة مما قص عذاب الدنيا، والكلام قيل وارد تحذيرا لهم كأنه لما نهاه سبحانه عن طاعة الكفار وخاصة رؤسائهم ذكر عز وجل أن تمردهم لما أتوه من المال والبنين وعقب جل وعلا بأنهما إذا لم يشكرا المنعم عليهما يؤول حال صاحبهما إلى حال أصحاب الجنة مدمجا فيه أن خبث النية والزوي عن المساكين إذا أفضى بهم إلى ما ذكر فمعاندة الحق تعالى بعناد من هو على خلقه وأشرف الموجودات وقطع رحمه أولى بأن يفضي بأهل مكة إلى البوار وقوله تعالى وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ أي أعظم وأشد تحذير عن العناد بوجه أبلغ وقوله سبحانه لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ نعى عليهم بالغفلة أي لو كانوا من أهل العلم لعلموا أنه أكبر ولأخذوا منه حذرهم إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ أي من الكفر كما في البحر أو منه ومن المعاصي كما في الإرشاد عِنْدَ رَبِّهِمْ أي في الآخرة فإنها مختصة به عز وجل إذ لا يتصرف فيها غيره جل


الصفحة التالية
Icon