وإسناد الإنقاض للحمل إسناد للسبب الحامل مجازا والمراد بالحمل المنقض هنا ما صدر منه صلّى الله عليه وسلم قبل البعثة مما يشق عليه صلّى الله عليه وسلم تذكره لكونه في نظره العالي دون ما هو عليه الصلاة والسلام بعد، أو غفلته عن الشرائع ونحوها مما لا يدرك إلّا بالوحي مع تطلبه صلّى الله عليه وسلم له أو حيرته عليه الصلاة والسلام في بعض الأمور كأداء حق الرسالة أو الوحي وتلقيه فقد كان يثقل صلّى الله عليه وسلم في ابتداء أمره جدا أو ما كان يرى صلّى الله عليه وسلم من ضلال قومه مع العجز عن إرشادهم لعدم طاعتهم له وإذعانهم للحق، أو ما كان يرى من تعديهم في إيذائه عليه الصلاة والسلام أو همه عليه الصلاة والسلام من وفاة أبي طالب وخديجة بناء على نزول السورة بعد وفاتهما، ويراد بوضعه على الأول مغفرته، وعلى الثاني إزالته غفلته عليه الصلاة والسلام عنه بتعليمه إياه بالوحي ونحوه، وعلى الثالث إزالة ما يؤدي للحيرة، وعلى الرابع تيسيره له صلّى الله عليه وسلم بتدربه واعتياده له، وعلى الخامس توفيق بعضهم للإسلام كحمزة وعمر وغيرهما، وعلى السادس تقويته صلّى الله عليه وسلم على التحمل، وعلى السابع إزالة ذلك برفعه إلى السماء حتى لقيه كل ملك وحياه وفوزه بمشاهدة محبوبة الأعظم ومولاه عز وجل. وأيّا ما كان ففي الكلام استعارة تمثيلية والوضع ترشيح لها وليس فيه دليل لنا في العصمة كما لا يخفى. واختار أبو حيان كون وضع الوزر كناية عن عصمته صلّى الله عليه وسلم عن الذنوب وتطهيره من الأدناس. عبر عن ذلك بالوضع على سبيل المبالغة في انتفاء ذلك كما يقول القائل: رفعت عنك مشقة الزيارة لمن لم يصدر منه زيارة على طريق المبالغة في انتفاء الزيارة منه له والتمثيل عليه بحاله على ما قيل. وقيل المراد وزر أمتك وإنما أضيف إليه صلّى الله عليه وسلم لاهتمامه بشأنه وتفكره في أمره، والمراد بوضعه رفع غائلته في الدنيا من العذاب العاجل ما دام صلّى الله عليه وسلم فيهم وما داموا يستغفرون فقد قال سبحانه وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: ٣٣] ولا يخفى بعد هذا الوجه. وقرأ أنس «وحططنا» و «حللنا» مكان وَضَعْنا. وقرأ ابن مسعود «وحللنا عنك وقرك».
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ بالنبوة وغيرها وأي رفع مثل أن قرن اسمه عليه الصلاة والسلام باسمه عز وجل في كلمتي الشهادة، وجعل طاعته طاعته، وصلى عليه في ملائكته، وأمر المؤمنين بالصلاة عليه، وخاطبه بالألقاب ك يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر: ١] يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل: ١] يا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأنفال: ٦٤ وغيرها] يا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة: ٤١، ٦٧] وذكره سبحانه في كتب الأولين، وأخذ على الأنبياء عليهم السلام وأممهم أن يؤمنوا به صلّى الله عليه وسلم. وروي عن مجاهد وقتادة ومحمد بن كعب والضحاك والحسن وغيرهم أنهم قالوا في ذلك:
«لا أذكر إلا ذكرت معي».
وفيه حديث مرفوع أخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل عليه السلام، فقال: إن ربك يقول: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله تعالى أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي».
وكان ذلك من الاقتصار على ما هو أعظم قدرا من إفراد رفع الذكر، ويشير إلى عظم قدره قول حسان:
أغر عليه للنبوة خاتم | من الله مشهود يلوح ويشهد |
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه | إذا قال في الخمس المؤذن أشهد |
ولا يخفى لطف ذكر الرفع بعد الوضع والكلام في العطف وزيادة لَكَ كالذي سلف، والفاء في قوله عز وجل فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً على ما في الكشاف فصيحة. والكلام وعد له صلّى الله عليه وسلم مسوق للتسلية والتنفيس. قال: كان المشركون يعيرون رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى سبق إلى ذهنه الشريف عليه الصلاة والسلام أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم، فذكره سبحانه ما أنعم به عليه من جلائل