الإتيان بالاستفهام في جزاء الشرط من غير الفاء وإن صرح به الزمخشري في كشافه وارتضاه الرضي واستشهد له بقوله تعالى قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: ٤٧] بحثا لأن ظاهر نقل الزمخشري نفسه في المفصل ونقل غيره وجوب الفاء إذا كان الجزاء جملة إنشائية والاستفهام وإن لم يبق على الحقيقة لم يخرج على ما في الكشف من الإنشاء. وقال أبو حيان: إن وقوع جملة الاستفهام جوابا للشرط بغير فاء لا أعلم أحدا أجازه بل نصوا على وجوب الفاء في كل ما اقتضى طلبا بوجه ما ولا يجوز حذفها إلّا في ضرورة أو شعر. وقال الدماميني في شرح التسهيل: إن جعل هل يهلك جزاء مشكل لعدم اقترانه بالفاء والاقتران بها في مثل ذلك واجب. واعترض أيضا جعل الجملة الشرطية في موضع المفعول الثاني لأرأيت بأن مفعولها الثاني لا يكون إلّا جملة استفهامية كما نص عليه أبو حيان وجماعة، أو قسمية كما في الإرشاد. وقال الخفاجي: إن جعل الشرطية في موقع المفعول والجملة الاستفهامية في موقع جواب الشرط إما على ظاهره أو على أنهما لدلالتهما على ذلك جعلا كأنهما كذلك لسدهما مسد المفعول والجواب وبما ذكر صرح الرضي والدماميني في شرح التسهيل في باب اسم الإشارة فما قيل من أن المفعول الثاني لأرأيت لا يكون جملة استفهامية مخالف لما صرحوا بأنه مختار سيبويه فلا يلتفت إليه، ولم يجعلوا فيما ذكر الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم ولا للكافر الناهي لأن السياق مقتض لخروج الناهي والمنهي عن مورد الخطاب. واستظهر في البحر جعله للنبي وجوز غيره جعله للكافر. والمراد تصوير الحال بعنوان كلي وهو كما ترى.
وقيل الضميران في إِنْ كانَ وأَمَرَ للعبد المصلي والضمائر في كَذَّبَ وَتَوَلَّى ويَعْلَمْ للذي ينهى. وحاصل المعنى على ما قال الفراء أرأيت الذي ينهى عبدا يصلي والمنهي على الهدى وآمر بالتقوى والناهي مكذب متول فما أعجب من ذا. والظاهر أن جواب الشرط عليه محذوف وهو فما أعجب من ذا بقرينة أَرَأَيْتَ فإنه يفيد التعجب والرؤية فيه قيل علمية، والمفعول الثاني محذوف نحو هذا الجواب وقيل بصرية وأَ لَمْ يَعْلَمْ إلخ جملة مستأنفة لتقرير ما قبلها وتأكيده، وأو تقسيمية بمعنى الواو. وقيل الخطاب في أَرَأَيْتَ الثانية للكافر وفي الثانية للنبي صلّى الله عليه وسلم فهو عز وجل كالحاكم الذي حضر الخصمان يخاطب هذا مرة والآخر أخرى وكأنه سبحانه قال: يا كافر أخبرني إن كانت صلاته هدى ودعاؤه إلى الله تعالى أمرا بالتقوى أتنهاه، وأخبرني أيها الرسول إن كان الناهي مكذبا بالحق متوليا عن الدين الصحيح ألم يعلم بأن الله تعالى يجازيه. وسكت هذا القائل عن الخطاب في أَرَأَيْتَ الأول فقيل: لكل من يصلح له وقيل للإنسان، وقيل للنبي صلّى الله عليه وسلم كالخطاب في الثالث. وقوله أتنهاه يحتمل أنه جعله مفعولا لرأيت، ويحتمل أنه جواب الشرط أو كما في سابقه ولعل ذكر الأمر بالتقوى في الجملة الثانية لأن النهي على ما قيل كان عن الصلاة والأمر بها وكان الظاهر عليه أن يذكر في الجملة الأولى أيضا بأن يقال أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أو أمر بالتقوى لكنه حذف اكتفاء بذكره في الثانية، واقتصر على ذكر الصلاة ولم يعكس لأن الأمر بالتقوى دعوة قولية، والصلاة دعوة فعلية والفعل أقوى من القول. وإنما كانت دعوة وأمرا لأن المقتدى به إذا فعل فعلا كان في قوة قوله افعلوا هذا. وقيل المذكور أولا ليس النهي عن الصلاة بل النهي حين الصلاة وهو محتمل أن يكون لها أو لغيرها، وعامة أحوال الصلاة لما انحصرت في تكميل نفس المصلي بالعبادة وتكميل غيره بالدعوة فنهيه في تلك الحالة يكون عن الصلاة والدعوة معا فلذا ذكر في الجملة الثانية انتهى. فلا تغفل.
وجوز الإمام كون الخطاب في الكل له عليه الصلاة والسلام وقال في بيان معنى أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ


الصفحة التالية
Icon