والأظهر هو الأول على أن المؤمن يقول ذلك بطريق الاستعظام والكافر بطريق التعجب يَوْمَئِذٍ بدل من إذا وقوله تعالى تُحَدِّثُ أَخْبارَها أي الأرض واحتمال كون الفاعل المخاطب كما زعم الطبرسي لا وجه له عامل فيهما. وقيل: العامل مضمر يدل عليه مضمون الجمل بعد والتقدير يحشرون إذا زلزلت ويَوْمَئِذٍ متعلق ب تُحَدِّثُ وإِذا عليه لمجرد الظرفية. وقيل هي نصب على المفعولية لا ذكر محذوفا أي اذكر ذلك الوقت فليست ظرفية ولا شرطية، وجوز أن تكون شرطية منصوب بجواب مقدر أي يكون ما لا يدرك كنهه أو نحوه والمراد يوم إذا زلزلت زلزالها وأخرجت أثقالها وقال الإنسان ما لها تحدث الخلق ما عندها من الأخبار وذلك بأن يخلق الله تعالى فيها حياة وإدراكا وتتكلم حقيقة فتشهد بما عمل عليها من طاعة أو معصية وهو قول ابن مسعود والثوري وغيرهما ويشهد له الحديث الحسن الصحيح الغريب.
أخرج الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذه الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ثم قال: «أتدرون ما أخبارها» ؟ قالوا:
الله ورسوله أعلم. قال: «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول عمل يوم كذا كذا فهذه أخبارها»
والباء في قوله تعالى بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها للسببية أي تحدث بسبب إيحاء ربك لها وأمره سبحانه إياها بالتحديث واللام بمعنى إلى أي أوحى إليها لأن المعروف تعدي الوحي بها كقوله تعالى وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل: ٦٨] لكن قد يتعدى باللام كما في قول العجاج يصف الأرض:

أوحى لها القرار فاستقرّت وشدها بالراسيات الثّبّت
ولعل اختيارها لمراعاة الفواصل. وجوز أن تكون اللام للتعليل أو المنفعة لأن الأرض بتحديثها بعمل العصاة يحصل لها تشف منهم بفضحها إياهم بذكر قبائحهم والموحى إليه هي أيضا، والوحي يحتمل أن يكون وحي إلهام وأن يكون وحي إرسال بأن يرسل سبحانه إليها رسولا من الملائكة بذلك. وقال الطبري وقوم:
التحديث استعارة أو مجاز مرسل لمطلق دلالة حالها والإيحاء إحداث ما تدل به فيحدث عز وجل فيها من الأحوال ما يكون به دلالة تقوم مقام التحديث باللسان حتى ينظر من يقول ما لها إلى تلك الأحوال فيعلم لم زلزلت ولم لفظت الأموات وإن هذا ما كانت الأنبياء عليهم السلام ينذرونه ويحذرون منه وما يعلم هو أخبارها.
وقيل: الإيحاء على تقدير كون التحديث حقيقيا أيضا مجاز عن إحداث حالة ينطقها سبحانه بها كإيجاد الحياة وقوة التكلم والإخبار على ما سمعت آنفا. وقال يحيى بن سلام: تحدث بما أخرجت من أثقالها ويشهد له ما
في حديث ابن ماجة في سننه: «تقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني»
. وعن ابن مسعود تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان ما لها فتخبر أن أمر الدنيا قد انقضى وأمر الآخرة قد أتى فيكون ذلك جوابا لهم عند سؤالهم. وقال الزمخشري: يجوز أن يكون المعنى تحدث بتحديث أن ربك أوحى لها أخبارها على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بإخبارها كما تقول نصحتني كل نصيحة بأن نصحتني في الدين فأخبارها عليه هو أن ربك أوحى لها والباء تجريدية مثلها في قولك لئن لقيت فلانا لتلقين به رجلا متناهيا في الخير.
وكان الظاهر تحدث بخبرها بالإفراد وكذا على ما قبله من الوجهين لكن جمع للمبالغة كما يشير إليه المثال ونحوه قول الشاعر:
فأنالني كلّ المنى بزيارة كانت مخالسة كخطفة طائر
فلو استطعت خلعت على الدّجى لتطول ليلتنا- سواد الناظر
ولا يخفى بعده. وبالغ أبو حيان في الحط عليه، فقال: هو عفش ينزه القرآن عنه. وأراد بالعفش- بعين


الصفحة التالية
Icon