ولم يلبث العصران يوم وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
وقيل: العصر بكرة والعصر عشية وهما الإبرادان وعليه وعلى ما قبله يكون القسم بواحد من الأمرين غير معين. وقيل: المراد به عصر النبوة وكأنه عنى به وقت حياته عليه الصلاة والسلام كأنه أشرف الأعصار لتشريف النبيّ صلّى الله عليه وسلم. وقيل: هو زمان حياته صلّى الله عليه وسلم وما بعده إلى يوم القيامة ومقداره فيما مضى من الزمان مقدار وقت العصر من النهار ويؤذن بذلك ما
رواه البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: «إنما بقاؤكم فيمن سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس»
وشرفه لكونه زمان النبي صلّى الله عليه وسلم وأمته التي هي خير أمة أخرجت للناس ولا يضره تأخيره كما لا يضر السنان تأخره عن أطراف مرانه والنور تأخره عن أطراف أغصانه. وقال ابن عباس: هو الدهر أقسم عز وجل به لاشتماله على أصناف العجائب ولذا قيل له أبو العجب وكأنه تعالى يذكر بالقسم به ما فيه من النعم وأضدادها لتنبيه الإنسان المستعد للخسران والسعادة ويعرض عز وجل لما في الإقسام به من التعظيم بنفي أن يكون له خسران أو دخل فيه كما يزعمه من يضيف الحوادث إليه وفي إضافة الخسران بعد ذلك للإنسان إشعار بأنه صفة له لا للزمان كما قيل:
يعيبون الزمان وليس فيه معايب غير أهل للزمان
وتعقب بأن استعمال العصر بذلك المعنى غير ظاهر إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ أي خسران في متاجرهم ومساعيهم وصرف أعمارهم في مباغيهم التي لا ينتفعون بها في الآخرة بل ربما تضرّ بهم إذا حلوا الساهرة.
والتعريف للاستغراق بقرينة الاستثناء والتنكير قيل للتعظيم أي في خسر عظيم ويجوز أن يكون للتنويع أي نوع من الخسر غير ما يعرفه الإنسان إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفاني الخسيس واشتروا الباقي النفيس. واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات فيا لها من صفقة ما أربحها ومنفعة جامعة للخير ما أوضحها. والمراد بالموصول كل من اتصف بعنوان الصلة لا عليّ كرم الله تعالى وجهه وسلمان الفارسي رضى الله تعالى عنه فقط كما يتوهم من اقتصار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الذكر عليهما بل هما داخلان في ذلك دخولا أوليا ومثل ذلك اقتصاره في الإنسان الخاسر على أبي جهل وهو ظاهر. وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم. وقوله تعالى وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ إلخ بيان لتكميلهم لغيرهم أي وصى بعضهم بعضا بالأمر الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره وهو الخير كله من الإيمان بالله عز وجل واتباع كتبه ورسله عليهم السلام في كل عقد وعمل وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها وعلى ما يبتلي الله تعالى به عباده من المصائب والصبر المذكور داخل في الحق، وذكر بعده مع إعادة الجار والفعل المتعلق هو به لإبراز كمال العناية به ويجوز أن يكون الأول عبارة رتبة العبادة التي هي فعل ما يرضى الله تعالى، والثاني عبارة رتبة العبودية التي هي الرضا بما فعل الله تعالى فإن المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تتوق إليه من فعل أو ترك بل هو تلقي ما ورد منه عز وجل بالجميل والرضا به باطنا وظاهرا. وقرأ سلام وهارون وابن موسى عن أبي عمرو «والعصر» بكسر الصاد «والصبر» بكسر الباء قال ابن عطية: وهذا لا يجوز إلّا في الوقف على نقل الحركة. وروي عن أبي عمرو بالصبر بكسر الباء إشماما وهذا كما قال لا يكون أيضا إلّا في الوقف وقال صاحب اللوامح: قرأ عيسى البصرة «بالصبر» بنقل حركة الراء إلى الباء لئلا يحتاج إلى أن يؤتى ببعض الحركة في الوقف ولا إلى أن يسكن فيجمع بين ساكنين وذلك لغة شائعة وليست بشاذة بل مستفيضة، وذلك دلالة على الإعراب وانفصال


الصفحة التالية
Icon