المفرط على ما قيل، واستظهر أنه ردع عن الهمز واللمز وتعقب بأنه بعيد لفظا ومعنى وأنا لا أرى بأسا في كون ذلك ردعا له عن كل ما تضمنته الجمل السابقة من الصفات القبيحة. وقوله تعالى لَيُنْبَذَنَّ جواب قسم مقدر والجملة استئناف مبين لعلة الردع أي والله ليطرحن بسبب أفعاله المذكورة فِي الْحُطَمَةِ أي في النار التي من شأنها أن تحطم كل من يلقى فيها، وبناء فعلة لتنزيل الفعل لكونه طبيعيا منزلة المعتاد. والحطم كسر الشيء كالهشم ثم استعمل لكل كسر متناه وأنشدوا:

إنا حطمنا بالقضيب مصعبا يوم كسرنا أنفه ليغضبا
ويقال: رجل حطمة أي أكول تشبيها له بالنار ولذا قيل في أكول كأنما في جوفه تنور وفسر الضحاك الحطمة هنا بالدرك الرابع من النار. وقال الكلبي: هي الطبقة السادسة من جهنم. وحكى القشيري عنه أنها الدرك الثاني. وقال الواحدي: هي باب من أبواب جهنم، وزعم أبو صالح أنها النار التي في قبورهم وليس بشيء. وقوله تعالى وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ لتهويل أمرها ببيان أنها ليست من الأمور التي تنالها عقول الخلق. وقرأ عليّ كرم الله تعالى وجهه والحسن بخلاف عنه وابن محيصن وحميد وهارون عن أبي عمرو «لينبذان» بضمير الاثنين العائد على الهمزة وماله. وعن الحسن أيضا «لينبذن» بضم الذال وحذف ضمير الجمع فقيل هو راجع لكل همزة باعتبار أنه متعدد وقيل له ولعدده أي اتباعه وأنصاره بناء على ما سمعت في قراءته هناك. وعن أبي عمرو «لننبذنه» بنون العظمة وهاء النصب ونون التأكيد. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنه «في الحاطمة وما أدراك ما الحاطمة» نارُ اللَّهِ خبر مبتدأ محذوف والجملة لبيان شأن المسئول عنها أي هي نار الله الْمُوقَدَةُ بأمر الله عز وجل وفي إضافتها إليه سبحانه ووصفها بالإيقاد من تهويل أمرها ما لا مزيد عليه الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ أي تعلو أوساط القلوب وتغشاها وتخصيصها بالذكر لما أن الفؤاد ألطف ما في الجسد وأشده تألما بأدنى أذى يمسه، أو لأنه محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة والملكات القبيحة ومنشأ الأعمال السيئة فهو أنسب بما تقدم من جميع أجزاء الجسد. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب أنه قال في الآية: تأكل كل شيء منه حتى تنتهي إلى فؤاده فإذا بلغت فؤاده ابتدأ خلقه، وجوز أن يراد الاطلاع العلمي والكلام على سبيل المجاز وذلك أنه لما كان لكل من المعذبين عذاب من النار على قدر ذنبه المتولد من صفات قلبه قيل إنها تطالع الأفئدة التي هي معادن الذنوب فتعلم ما فيها فتجازي كلّا بحسب ما فيه من الصفة المقتضية للعذاب. وأرباب الإشارة يقولون: إن ما ذكر إشارة إلى العذاب الروحاني الذي هو أشد العذاب إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ أي مطبقة وتمام الكلام مر في سورة البلد فِي عَمَدٍ جمع عمود كما قال الراغب والفرّاء. وقال أبو عبيدة: جمع عماد وفي البحر وهو اسم جمع الواحد عمود. وقرأ الأخوان وأبو بكر عمد بضمتين وهارون عن أبي عمرو بضم العين وسكون الميم وهو في القراءتين جمع عمود بلا خلاف. وقوله تعالى مُمَدَّدَةٍ صفة عمد في القراءات الثلاث أي طوال، والجار والمجرور في موضع الحال من الضمير المجرور في عَلَيْهِمْ أي كائنين في عمد ممددة أي موثقين فيها مثل المقاطر وهي خشب أو جذوع كبار فيها خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص ونحوهم، أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم كائنون في عمد موثقون فيها وهي والعياذ بالله تعالى على ما روي عن ابن زيد عمد من حديد. وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس أنها من نار. واستظهر بعضهم أن العمد تمدد على


الصفحة التالية
Icon