انتهى. وفيه مخالفة لما نقلناه سابقا عن الهروي، ثم إن إرادة ما ذكر من الرحل الأربع غير ظاهرة كما لا يخفى. وقرأ ابن عامر «لإلاف قريش» بلا ياء. ووجه ذلك ما مر. ولم تختلف السبعة في قراءة إِيلافِهِمْ بالياء كما اختلف في قراءة الأول، ومع هذا رسم الأول في المصاحف العثمانية بالياء، ورسم الثاني بغير ياء كما قاله السمين وجعل ذلك أحد الأدلة على أن القراء يتقيدون بالرواية سماعا دون رسم المصحف وذكر في وجه ذلك أنها رسمت في الأول على الأصل، وتركت في الثاني اكتفاء بالأول وهو كما ترى فتدبر. وروي عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ بهمزتين فيهما الثانية ساكنة وهذا شاذ وإن كان الأصل وكأنهم إنما أبدلوا الهمزة التي هي فاء الكلمة لثقل اجتماع همزتين. وروى محمد بن داود النقار عن عاصم «إئيلافهم» بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة ناشئة عن حركة الهمزة الثانية لما أشبعت، والصحيح رجوعه عن القراءة بهمزتين وأنه قرأ كالجماعة. وقرأ أبو جعفر فيما حكى الزمخشري «لإلف قريش» وقرأ فيما حكى ابن عطية إلفهم وحكيت عن عكرمة وابن كثير، وأنشدوا:

زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف
وعن أبي جعفر أيضا وابن عامر «إلافهم» على وزن فعال. وعن أبي جعفر أيضا «ليلاف» بياء ساكنة بعد اللام ووجهه بأنه لما أبدل الثانية ياء حذف الأولى حذفا على غير قياس. وعن عكرمة «لتألف قريش» على صيغة المضارع المنصوب بأن مضمرة بعد اللام ورفع قريش على الفاعلية، وعنه أيضا لتأليف على الأمر وعنه وعن هلال بن فتيان بفتح لام الأمر. والظاهر أن إيلافهم على جميع ذلك منصوب على المصدرية ولم أر من تعرض له. وقرأ أبو السمال «رحلة» بضم الراء وهي حينئذ بمعنى الجهة التي يرحل إليها وأما مكسور الراء فهو مصدر على ما صرح به في البحر. لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
هو الكعبة التي حميت من أصحاب الفيل.
وعن عمر أنه صلى بالناس بمكة عند الكعبة فلما قرألْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
جعل يومي بإصبعه إليها وهو في الصلاة بين يدي الله تعالى الَّذِي أَطْعَمَهُمْ بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منهما بواسطة كونهم من جيرانه مِنْ جُوعٍ شديد كانوا فيه قبلهما وقيل أريد به القحط الذي أكلوا فيه الجيف والعظام وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ عظيم لا يقادر قدره وهو خوف أصحاب الفيل أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم أو خوف الجذام كما أخرج ذلك ابن جرير وغيره عن ابن عباس، فلا يصيبهم في بلدهم فضلا منه تعالى كالطاعون.
وعنه أيضا أنه قال: أطعمهم من جوع بدعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ [إبراهيم:
٧٣] وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ حيث قال إبراهيم عليه السلام رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً [إبراهيم: ٥٣]. ومِنْ قيل تعليلية أي أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم. ويقدر المضاف لتظهر صحة التعليل أو يقال:
الجوع علة باعثة ولا تقدير. وقيل بدلية مثلها في قوله تعالى أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ [التوبة: ٣٨] وحكى الكرماني في غرائب التفسير أنه قيل في قوله تعالى وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أن الخلافة لا تكون إلّا فيهم وهذا من البطلان بمكان كما لا يخفى، وقرأ المسيبي عن نافع «من خوف» بإخفاء النون في الخاء، وحكي ذلك عن سيبويه وكذا إخفاؤها مع العين نحو من على مثلا والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon