والأثر الباقي بالذنب لكونه خلفه فكأنه بعده وعدمه بعدمه وفسره قتادة بالحقير الذليل وليس بذاك كما يفصح عنه سبب النزول وفيها عليه دلالة على أن أولاد البنات من الذرية كما قال غير واحد، واسم الفاعل أعني شانىء هاهنا قيل بمعنى الماضي ليكون معرفة بالإضافة فيكون الأبتر خبره ولا يشكل بمن كان يبغضه عليه الصلاة والسلام قبل الإيمان من أكابر الصحابة رضي الله تعالى عنهم ثم هداه الله تعالى للإيمان وذاق حلاوته فكان صلّى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه وأعز عليه من روحه ولم يكن أبتر لما أن الحكم على المشتق يفيد علية مأخذه فيفيد الكلام أن الأبترية معللة بالبغض فتدور معه، وقد زال في أولئك الأكابر رضي الله تعالى عنهم.
واختار بعضهم في دفع ذلك حمل اسم الفاعل على الاستمرار فهم لم يستمروا على البغض والظاهر أنه انقطع نسل كل من كان مبغضا له عليه الصلاة والسلام حقيقة وقيل انقطع حقيقة أو حكما لأن من أسلم من نسل المبغضين انقطع انتفاع أبيه منه بالدعاء ونحوه لأنه لا عصمة بين مسلم وكافر. وما أشرنا إليه من أن هو ضمير فصل هو الأظهر وجوز أن يكون مبتدأ خبره الْأَبْتَرُ والجملة خبر شانِئَكَ وحينئذ يجوز صناعة أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال وحمل شانِئَكَ على الجنس هو الظاهر وخصه بعضهم بمن جاء في سبب النزول واحدا أو متعددا وفيه روايات أخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:
كان أكبر ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية، فمات القاسم عليه السلام وهو أول ميت من ولده عليه الصلاة والسلام بمكة، ثم مات عبد الله عليه السلام فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع نسله فهو ابتر فأنزل الله تعالى إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن شمر بن عطية قال: كان عقبة بن أبي معيط يقول إنه لا يبقى للنبي صلّى الله عليه وسلم عقب وهو أبتر، فأنزل الله تعالى فيه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي أيوب قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا: إن هذا الصابىء قد بتر الليلة، فأنزل الله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ السورة. وأخرج عبد بن حميد وغيره عن ابن عباس أنه قال في الآية هو أبو جهل أي لأنها نزلت فيه وهذا المقدار في الرواية عن ابن عباس لا بأس به،
وحكاية عنه أنه لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال: بتر محمد عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله تعالى إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ
لا تكاد تصح لأن هلاك اللعين أبي جهل على التحقيق قبل وفاة إبراهيم عليه السلام. وعن عطاء أنها نزلت في أبي لهب والجمهور على نزولها في العاصي بن وائل وأيّا ما كان فلا ريب في ظهور عموم الحكم والجملة كالتعليل لما يفهمه الكلام فكأنه قيل: إنا أعطيناك ما لا يدخل تحت الحصر من النعم فصل وانحر خالصا لوجه ربك ولا تكترث بقول الشانئ الكريه فإنه هو الأبتر لا أنت. وتأكيدها قيل للاعتناء بشأن مضمونها وقيل هو مثله في نحو قوله تعالى وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [المؤمنون: ٢٧] وذلك لمكان فلا تكترث إلخ المفهوم من السياق. وفي التعبير بالأبتر دون المبتور على ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ما لا يخفى من المبالغة وعمم هذا الشيخ عليه الرحمة كلا من جزأي الجملة، فقال: إنه سبحانه يبتر شانىء رسول الله صلّى الله عليه وسلم من كل خير فيبتر أهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة، ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحا لمعاده، ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته تعالى ومحبته والإيمان برسله عليهم السلام، ويبتر أعماله فلا يستعمله سبحانه في طاعته، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرا ولا عونا، ويبتره من جميع القرب فلا يذوق لها طعما ولا يجد لها حلاوة وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها وهذا جزاء كل من شنأ ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلم لأجل هواه كمن تأول آيات الصفات أو أحاديثها على غير مراد الله تعالى ومراد رسوله عليه


الصفحة التالية
Icon