وجل. أخرج الضياء في المختارة والحاكم وصححه وابن المنذر وغيرهم عن ابن عباس قال: ما من مولود يولد إلّا على قلبه الوسواس فإذا عقل فذكر الله تعالى خنس، فإذا غفل وسوس، وله على ما روي عن قتادة خرطوم كخرطوم الكلب، ويقال إن رأسه كرأس الحية.
وأخرج ابن شاهين عن أنس قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن للوسواس خطما كخطم الطائر، فإذا غفل ابن آدم وضع ذلك المنقار في أذن القلب يوسوس فإن ذكر الله تعالى نكص وخنس فلذلك سمي الوسواس الخناس».
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ قيل أريد قلوبهم مجازا. وقال بعضهم: إن الشيطان يدخل الصدر الذي هو بمنزلة الدهليز فيلقي منه ما يريد إلقاءه إلى القلب ويوصله إليه ولا مانع عقلا من دخوله في جوف الإنسان وقد ورد السمع به كما سمعت فوجب قبوله والإيمان به، ومن ذلك
«إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم»
. ومن الناس من حمله على التمثيل وقال في الآية إنها لا تقتضي الدخول كما ينادي عليه البيان الآتي. وقال ابن سينا: الوسواس القوة التي توقع الوسوسة وهي القوة المتخيلة بحسب صيرورتها مستعملة للنفس الحيوانية ثم إن حركتها تكون بالعكس فإن النفس وجهتها إلى المبادئ المفارقة فالقوة المتخيلة إذا أخذتها إلّا الاشتغال بالمادة وعلائقها فتلك القوة تخنس أي تتحرك بالعكس وتجذب النفس الإنسانية إلى العكس فلذلك تسمى خناسا، ونحوه ما قيل إنه القوة الوهمية فهي تساعد العقل في المقدمات فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشككه، ولا يخفى أن تفسير كلام الله تعالى بأمثال ذلك من شر الوسواس الخناس. والقاضي ذكر الأخير عن سبيل التنظير لا على وجه التمثيل والتفسير بناء على حسن الظن به ومحل الموصول، إما الجر على الوصف وإما الرفع والنصب على الذم والشتم، ويحسن أن يقف القارئ على أحد هذين الوجهين على الْخَنَّاسِ وأما على الأول ففي الكواشي أنه لا يجوز الوقف وتعقبه الطيبي بأن في عدم الجواز نظر للفاصلة وفي الكشف أنه إذا كان صفة فالحسن غير مسلم اللهم إلّا على وجه وهو أن الوقف الحسن شامل لمثله في فاصلة خاصة مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ بيان للذي يوسوس على أنه ضربان جني وإنسي كما قال تعالى شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ [الأنعام: ١١٢] أو متعلق بيوسوس، ومِنَ لابتداء الغاية، أي يوسوس في صدورهم من جهة الجن مثل أن يلقي في قلب المرء من جهتهم أنهم ينفعون ويضرون، ومن جهة الناس مثل أن يلقي في قلبه من جهة المنجمين والكهان وأنهم يعلمون الغيب. وجوز فيه الحالية من ضمير يُوَسْوِسُ والبدلية من قوله تعالى مِنْ شَرِّ بإعادة الجار وتقدير المضاف والبدلية من الوسواس على أن مِنَ تبعيضية. وقال الفرّاء وجماعة: هو بيان للناس بناء على أنه يطلق على الجن أيضا فيقال كما نقل عن الكلبي: ناس من الجن كما يقال نفر ورجال منهم، وفيه أن المعروف عند الناس خلافه مع ما في ذلك من شبه جعل قسم الشيء قسيما له ومثله لا يناسب بلاغة القرآن وإن سلم صحته، وتعقب أيضا بأنه يلزم عليه القول بأن الشيطان يوسوس في صدور الجن كما يوسوس في صدور الإنس ولم يقم دليل عليه. ولا يجوز جعل الآية دليلا لما لا يخفى وأقرب منه على ما قيل أن يراد بالناس الناسي بالياء مثله في قراءة بعضهم مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ [البقرة: ١٩٩] بالكسر ويجعل سقوط الياء كسقوطها في قوله تعالى يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ [القمر: ٦] ثم يبين بالجنة والناس فإن كل فرد من أفراد الفريقين مبتلى بنسيان حق الله تعالى إلّا من تداركه شوافع عصمته وتناوله واسع رحمته. جعلنا الله ممن نال من عصمته الحظ الأوفى وكال له مولاه من رحمته فأوفى. ثم إنه قيل إن حروف هذه السورة غير المكرر اثنان وعشرون حرفا وكذا حروف الفاتحة وذلك بعدد السنين التي أنزل فيها القرآن فليراجع، وبعد أن يوجد الأمر كما ذكر لا يخفى أن كون سني النزول اثنتين وعشرين سنة قول لبعضهم. والمشهور أنها ثلاث وعشرون اه. ومثل هذا الرمز ما قيل


الصفحة التالية
Icon