وأنت تعلم أن ذلك القول منه عليه الصلاة والسلام في أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه كان في غدير خم وذلك في أواخر سني الهجرة فلا يكون ما نزل مكيا على المشهور في تفسيره. وقد سمعت ما قيل في مكية هذه السورة وقيل هو الرسول صلّى الله عليه وسلم استعجل عذابهم وقيل هو نوح عليه السلام سأل عذاب قومه. وقرأ نافع وابن عامر «سال» بألف كقال سايل بياء بعد الألف فقيل يجوز أن يكون قد أبدلت همزة الفعل ألفا وهو بدل على غير قياس وإنما قياس هذا بين بين ويجوز أن يكون على لغة من قال سلت أسال حكاها سيبويه وفي الكشاف هو من السؤال وهو لغة قريش يقولون سلت تسال وهما يتسايلان وأراد أنه من السؤال المهموز معنى لا اشتقاقا بدليل وهما يتسايلان وفيه دلالة على أنه أجوف يأتي وليس من تخفيف الهمزة في شيء. وقيل السؤال بالواو الصريحة مع ضم السين وكسرها وقوله يتسايلان صوابه يتساولان فتكون ألفه منقلبة عن واو كما في قال وخاف وهو الذي ذهب إليه أبو علي في الحجة وذكر فيها أن أبا عثمان حكى عن أبي زيد أنه سمع من العرب من يقول هما يتساولان ثم إن في دعوى كون سلت تسال لغة قريش ترددا والظاهر خلاف ذلك وأنشدوا لورود سال قول حسان يهجو هذيلا لما سألوا النبيّ صلّى الله عليه وسلم أن يبيح لهم الزنا:

سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما قالت ولم تصب
وقول آخر:
سالتاني الطلاق أن رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر
وجوز أن يكون سال من السيلان وأيد بقراءة ابن عباس «سال سيل» فقد قال ابن جني السيل هاهنا الماء السائل وأصله المصدر من قولك سال الماء سيلا إلّا أنه أوقع على الفاعل كما في قوله تعالى إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً [الملك: ٣٠] أي غائرا وقد تسومح في التعبير عن ذلك بالوادي فقيل: المعنى اندفع واد بعذاب واقع والتعبير بالماضي قيل للدلالة على تحقيق وقوع العذاب إما في الدنيا وهو عذاب يوم بدر وقد قتل يومئذ النضر وأبو جهل. وإما في الآخرة وهو عذاب النار وعن زيد بن ثابت أن سائلا اسم واد في جهنم وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عباس ما يحتمله لِلْكافِرينَ صفة أخرى لعذاب أي كائن لِلْكافِرينَ أو صلة لواقع واللام للتعليل أو بمعنى على ويؤيده قراءة أبيّ «على الكافرين» وإن صح ما روي عن الحسن وقتادة أن أهل مكة لما خوفهم النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعذاب سألوا عنه على ما ينزل وبمن يقع فنزلت كان هذا ابتداء كلام جوابا للسائل أي هو للكافرين وقوله تعالى لَيْسَ لَهُ دافِعٌ صفة أخرى لعذاب أو حال منه لتخصيصه بالصفة أو بالعمل أو من الضمير في لِلْكافِرينَ على تقدير كونه صفة لعذاب على ما قيل أو استئناف أو جملة مؤكدة لهو لِلْكافِرينَ على ما سمعت آنفا فلا تغفل وقوله سبحانه مِنَ اللَّهِ متعلق بدافع ومِنَ ابتدائية أي ليس له دافع يرده من جهته عزّ وجلّ لتعلق إرادته سبحانه به وقيل متعلق بواقع فقيل إنما يصح على غير قول الحسن وقتادة وعليه يلزم الفصل بالأجنبي لأن لِلْكافِرينَ على ذلك جواب سؤال ثم إن التعلق ب واقِعٍ على ما عدا قولهما إن جعل للكافرين من صلته أيضا كان أظهر وإلا لزم الفصل بين المعمول وعامله بما ليس من تتمته لكن ليس أجنبيا من كل وجه ذِي الْمَعارِجِ هي لغة الدرجات والمراد بها على ما روي عن ابن عباس السماوات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء ولم يعينها بعضهم فقال أي ذي المصاعد التي تصعد فيها الملائكة بالأوامر والنواهي وقيل هي مقامات معنوية تكون فيها الأعمال والاذكار أو مراتب في السلوك كذلك يترقى فيها المؤمنون السالكون أو مراتب الملائكة عليهم السلام. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة


الصفحة التالية
Icon