قَوْمَكَ
على أن أَنْ تفسيرية لما في الإرسال من معنى القول دون حروفه فلا محل للجملة من الإعراب أو بأن أنذرهم أي بإنذارهم أو لإنذارهم على أن أَنْ مصدرية وقبلها حرف جر مقدر هو الباء أو اللام وفي المحل بعد الحذف من الجر والنصب قولان مشهوران. ونص أبو حيان على جواز هذا الوجه في بحره هنا ومنعه في موضع آخر. وحكى المنع عنه ابن هشام في المغني وقال: زعم أبو حيان أنها لا توصل بالأمر وإن كل شيء سمع من ذلك فأن فيه تفسيرية واستدل بدليلين أحدهما أنهما إذا قدرا بالمصدر فات معنى الأمر الثاني أنهما لم يقعا فاعلا ولا مفعولا لا يصح أعجبني أن قم ولا كرهت أن قم كما يصح ذلك مع الماضي والمضارع، والجواب عن الأول أن فوات معنى الأمرية عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضي والاستقبال في الموصولة بالمضارع والماضي عند التقدير المذكور ثم إنه يسلم مصدرية المخففة مع لزوم نحو ذلك فيها في نحو قوله تعالى وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها [النور: ٩] إذ لا يفهم الدعاء من المصدر إلّا إذا كان مفعولا مطلقا نحو سقيا ورعيا. وعن الثاني أنه إنما منع ما ذكره لأنه لا معنى لتعليق الإعجاب والكراهية بالإنشاء لا لما ذكره ثم ينبغي له أن لا يسلم مصدرية كي لأنها لا تقع فاعلا ولا مفعولا وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل، ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه كتبت إليه بأن قم واحتمال زيادة الباء كما يقول وهم فاحش لأن حروف الجر مطلقا لا تدخل إلّا على الاسم أو ما في تأويله انتهى. وأجاب بعضهم عن الأول أيضا بأنه عند التقدير يقدر الأمر فيقال فيما نحن فيه مثلا إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ بالأمر بإنذارهم وتعقب بأنه ليس هناك فعل يكون الأمر مصدره كأمرنا أو نأمر ثم إنه يكون المعنى في نحو أمرته بأن قم أمرته بالأمر بالقيام. وأشار الزمخشري إلى جواب ذلك هو أنه إذا لم يسبق لفظ الأمر أو ما في معناه من نحو رسمت فلا بد من تقدير القول لئلا يبطل الطلب فيقال هنا: أرسلناه بأن قلنا له أنذر أي بالأمر بالإنذار وإذا سبقه ذلك لا يحتاج إلى تقديره لأن مآل العبارات أعني أمرته بالقيام وأمرته بأنه قم وأن قم بدون الباء على أنها مفسرة إلى واحد وفي الكشف لو
قيل إن التقدير وأرسلناه بالأمر بالإنذار من دون إضمار القول لأن الأمرية ليست مدلول جوهر الكلمة بل من متعلق الأداة فيقدر بالمصدر تبعا وفي أمر المخاطب اكتفى بالصيغة تحقيقا لكان حسنا وهذا كما أن التقدير في أن لا يزني خير له عدم الزنا فيقدر النفي بالمصدر على سبيل التبعية، وأما إذا صرح بالأمر فلا يحتاج إلى تقدير مصدر للطلب أيضا هذا ولو قدر أمرته بالأمر بالقيام أي بأن يأمر نفسه به مبالغة في الطلب لم يبعد عن الصواب ولما فهم منه ما فهم من الأول وأبلغ استعمل استعماله من غير ملاحظة الأصل وأوعى بعضهم أن تقدير القول هنا ليس لئلا يفوت معنى الطلب بل لأن الباء المحذوفة للملابسة وإرسال نوح عليه السلام لم يكن ملتبسا بإنذاره لتأخره عنه وإنما هو ملتبس بقول الله تعالى له عليه السلام أَنْذِرْ ولما كان هذا القول منه تعالى لطلب الإنذار قيل: المعنى أرسلناه بالأمر بالإنذار، وكان هذا القائل لا يبالي بفوات معنى الطلب كما يقتضيه كلام ابن هشام المتقدم آنفا. وبحث الخفاجي فيما ذكروه من الفوات فقال: كيف يفوت معنى الطلب وهو مذكور صريحا في أَنْذِرْ ونحوه وتأويله بالمصدر المسبوك تأويل لا ينافيه لأنه مفهوم أخذوه من موارد استعماله فكيف يبطل صريح منطوقه فما ذكروه مما لا وجه له وإن اتفقوا عليه فاعرفه انتهى. وأقول: لعلهم أرادوا بفوات معنى الطلب فواته عند ذكر المصدر الحاصل من التأويل بالفعل على معنى أنه إذا ذكر بالفعل لا يتحقق معنى الطلب ولا يتحد الكلامان ولم يريدوا أنه يفوت مطلقا كيف وتحققه في المنطوق الصريح كنار على علم، ويؤيد هذا منعهم بطلان اللازم المشار إليه بقول ابن هشام أن فوات معنى الأمرية عند التقدير بالمصدر كفوات المضي والاستقبال إلخ فكأنه قيل لا نسلم أن هذا الفوات