وَأُولُوا الْعِلْمِ شهداء بذلك، وقيل: بالعطف على الضمير في شهداء وصح ذلك للفصل، واعترض بأن ذلك على قراءة النصب على الحالية يؤدي إلى تقييد حال المذكورين بشهادة الملائكة وأولو العلم- وليس فيه كثير فائدة كما لا يخفى.
وقوله تعالى: قائِماً بِالْقِسْطِ بيان لكماله تعالى في أفعاله إثر بيان كماله في ذاته، والقسط- العدل، والباء للتعدية أي مقيما بالعدل، وفي انتصاب قائِماً وجوه: الأول أن يكون حالا لازمة من فاعل شَهِدَ ويجوز إفراد المعطوف عليه بالحال دون المعطوف إذ قامت قرينة تعينه معنوية أو لفظية، ومنه وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً [الأنبياء: ٧٢] وأخرت الحال عن المعطوفين للدلالة على علو مرتبتهما وقرب منزلتهما، والمسارعة إلى إقامة شهود التوحيد اعتناء بشأنه ولعله السر في تقديمه على المعطوفين مع الإيذان بأصالته تعالى في الشهادة به، والثاني أن يكون منصوبا على المدح وهو وإن كان معروفا في المعرفة لكنه ثابت في غيرها أيضا، والثالث أن يكون وصفا لاسم- لا- المبني، واستبعد بأنهم إنما يتسعون بالفصل بين الموصوف والصفة بفاصل ليس أجنبيا من كل وجه، والمعطوف على فاعل شَهِدَ أجنبي مما هو في صلة- أن- لفظا ومعنى، وبأنه متلبس بالحال فينبغي على هذا أن يرفع حملا على محل اسم- لا- رفعا للالتباس.
والرابع أن يكون مفعول العلم أي وَأُولُوا المعرفة قائِماً بِالْقِسْطِ ولا يخفى بعده، الخامس- ولعله الأوجه- أن يكون حالا من الضمير والعامل فيها معنى الجملة أي تفرد أو أحقه لأنها حال مؤكدة ولا يضر تخلل المعطوفين هنا بخلافه في الصفة لأن الحال المؤكدة في هذا القسم جارية مجرى جملة مفسرة نوع تفسير فناسب أن يقدم المعطوفان لأن المشهود به واحد فهو نوع من تأكيده تمم بالحال المفسرة وعلى تقدير الحالية من الفاعل والمفعولية للعلم لا يندرج في المشهود به وعلى تقدير النصب على المدح يحتمل الاندراج وعدمه، وعلى التقديرين الأخيرين يندرج لا محالة.
وقرأ عبد الله- القائم بالقسط- على أنه خبر لمبتدأ محذوف وكونه بدلا من هُوَ لا يخلو عن شيء، وقرأ أبو حنيفة: «قيما بالقسط» لا إِلهَ إِلَّا هُوَ تكرير للمشهود به للتأكيد، وفيه إشارة إلى مزيد الاعتناء بمعرفة أدلته لأن تثبيت المدعى إنما يكون بالدليل، والاعتناء به يقتضي الاعتناء بأدلته ولينبني عليه قوله تعالى: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فيعلم أنه المنعوت بهما، وقيل: لا تكرار لأن الأول شهادة الله تعالى وحده، والثاني شهادة الملائكة، وأولي العلم، وهو ظاهر عند من يرفع- الملائكة- بفعل مضمر، ووجه الترتيب تقدم العلم بقدرته التي يفهمها الْعَزِيزُ على العلم بحكمته تعالى التي يؤذن بها الْحَكِيمُ، وجعل بعضهم الْعَزِيزُ ناظرا إلى قوله سبحانه: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ والْحَكِيمُ ناظرا إلى قوله تعالى: قائِماً بِالْقِسْطِ ورفعهما على الخبرية لمبتدأ محذوف أو البدلية من هُوَ أو الوصفية له بناء على ما ذهب إليه السكاكي من جواز وصف ضمير الغائب، وجعلهما نعتا لفاعل شَهِدَ بعيد، وقد روى في فضل الآية أخبار.
أخرج الديلمي عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا «لما نزلت الحمد لله رب العالمين. وآية الكرسي. وشهد الله وقل اللهم مالك الملك- إلى بغير حساب- تعلقن بالعرش وقلن: أتنزلنا على قوم يعملون بمعاصيك؟ فقال: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا يتلوكن عبد عند دبر كل صلاة مكتوبة إلا غفرت له ما كان فيه وأسكنته جنة الفردوس ونظرت له كل يوم سبعين مرة وقضيت له سبعين حاجة أدناها المغفرة».
وأخرج ابن عدي، والطبراني، والبيهقي- وضعفه- والخطيب، وابن النجار عن غالب القطان قال «أتيت الكوفة


الصفحة التالية
Icon