التوحيد، وقيل: في نبوته صلّى الله عليه وسلم، وقيل: في الإيمان بالأنبياء، والظاهر أن المراد من الموصول ما يعم الفريقين، والذي اختلفوا فيه الإسلام كما يشعر به السياق والتعبير عنهم بهذا العنوان زيادة تقبيح لهم فإن الاختلاف بعد إتيان الكتاب أقبح، وقوله تعالى: إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ زيادة أخرى فإن الاختلاف بعد مجيء العلم أزيد في القباحة والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أو أعم الأوقات، والمراد من مجيء العلم التمكن منه لسطوع براهينه، أو المراد منه حصول العلم بحقيقة الأمر لهم بالفعل ولم يقل علموا مع أنه أخصر إشارة إلى أنه علم بسبب الوحي، وقوله سبحانه:
بَغْياً بَيْنَهُمْ زيادة تشنيع، والاسم المنصوب مفعول له لما دل عليه مَا وإِلَّا من ثبوت الاختلاف بعد مجيء العلم كما تقول ما ضربت إلا ابني تأديبا، فلا دلالة للكلام على حصر الباعث، وادعاه بعضهم أي إن الباعث لهم على الاختلاف هو البغي والحسد لا الشبهة وخفاء الأمر، ولعل انفهام ذلك من المقام أو من الكلام بناء على جواز تعدد الاستثناء المفرغ أي ما اختلفوا في وقت لغرض إلا بعد العلم لغرض البغي كما تقول: ما ضرب إلا زيد عمرا- أي ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ قيل: المراد بها حججه، وقيل: التوراة، وقيل: هي والإنجيل، وقيل: القرآن، وقيل: آياته الناطقة بأن الدين عند الله الإسلام، والظاهر العموم أي أية آية كانت، والمراد- بمن- أيضا أعم من المختلفين المذكورين وغيرهم ولك أن تخصه بهم فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ قائم مقام جواب الشرط علة له- أي ومن يكفر يعاقبه الله تعالى ويجازه عن قريب- فإنه سريع الحساب- أي يأتي حسابه عن قريب. أو يتم ذلك بسرعة، وقيل: إن سرعة الحساب تقتضي إحاطة العلم والقدرة فتفيد الجملة الوعيد، وباعتباره ينتظم الشرط والجزاء من غير حاجة إلى تقدير، ولعله أولى وأدق نظرا.
وفي إظهار الاسم الجليل تربية للمهابة وإدخال الروعة، وفي ترتيب العقاب على مطلق الكفر إثر بيان حال أولئك المذكورين إيذان بشدّة عقابهم فَإِنْ حَاجُّوكَ أي جادلوك في الدين بعد أن أقمت الحجج، والضمير- للذين أوتوا الكتاب- من اليهود والنصارى- قاله الحسن- وقال أبو مسلم: لجميع الناس، وقيل: وفد نصارى نجران وإلى هذا يشير كلام محمد بن جعفر بن الزبير فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ أي أخلصت وخضعت بقلبي وقالبي لِلَّهِ لا أشرك به غيره، وفيه إشارة إلى أن الجدال معهم ليس في موقعه لأنه إنما يكون في أمر خفي والذي خالدوا به أمر مكشوف، وحكم حاله معروف وهو الدين القويم فلا تكون المحاجة والمجادلة إلا مكابرة، وحينئذ يكون هذا القول إعراضا عن مجادلتهم، وقيل: إنه محاجة وبيانه أن القوم كانوا مقرين بوجود الصانع وكونه مستحقا للعبادة فكأنه قال:
هذا القول متفق عليه بين الكل فأنا مستمسك بهذا القدر المتفق عليه، وداعي الخلق إليه، وإنما الخلاف في أمور وراء ذلك فاليهود يدعون التشبيه والجسمية. والنصارى يدعون إلهية عيسى عليه السلام، والمشركون يدعون وجوب عبادة الأوثان فهؤلاء هم المدعون فعليهم الإثبات، ونظير ذلك قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً [آل عمران: ٦٤] وعن أبي مسلم أن الآية في هذا الموضع كقول إبراهيم عليه السلام:
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام: ٧٩] فكأنه قيل: فإن نازعوك يا محمد في هذه التفاصيل فقل: أنا متمسك بطريق إبراهيم عليه السلام وأنتم معترفون بأنه كان محقا في قوله صادقا في دينه فيكون من باب التمسك بالإلزامات وداخلا تحت قوله تعالى: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: ١٢٥] ولعل القول بالإعراض أولى لما فيه من الإشارة إلى سوء حالهم وحظ مقدارهم، وعبر عن الجملة- بالوجه- لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والمشاعر ومجمع معظم ما يقع به العبادة وبه يحصل التوجه إلى كل شيء، وفتح الياء نافع.
وابن عامر، وحفص، وسكنها الباقون وَمَنِ اتَّبَعَنِ عطف على الضمير المتصل في أَسْلَمْتُ وحسن للفصل. أو


الصفحة التالية
Icon