ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله تعالى»
وقرأ حمزة- «ويقاتلون الذين» - وقرأ عبد الله- «وقاتلوا» - وقرأ أبيّ- «ويقتلون النبيين» و «الذين يأمرون» - فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ خبر إِنَّ ودخلت الفاء فيه لتضمن الاسم معنى الشرط ولا يمنع الناسخ الذي لم يغير معنى الابتداء من الدخول ومتى غير- كليت، ولعل- امتنع ذلك إجماعا- وسيبويه، والأخفش يمنعانه عند النسخ مطلقا فالخبر عندهما قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وجملة فبشرهم معترضة بالفاء كما في قولك زيد- فافهم- رجل صالح، وقد صرح به النحاة في قوله:

فاعلم- فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا
ومن لم يفهم هذا قال: إن الفاء جزائية وجوابها مقدم من تأخير والتقدير زيد رجل صالح وإذا قلنا لك ذلك- فافهم- وعلى الأول هو استئناف، وأُولئِكَ مبتدأ، وما فيه من البعد على المشهور للايذان ببعد منزلتهم في فظاعة الحال، والموصول خبره- أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الشنيعة الذين بطلت أعمالهم وسقطت عن حيز الاعتبار وخلت عن الثمرة في الدنيا حيث لم تحقن دماؤهم وأموالهم ولم يستحقوا بها مدحا وثناء وفي الآخرة حيث لم تدفع عنهم العذاب ولم ينالوا بسببها الثواب- وهذا شامل للأعمال المتوقفة على النية ولغيرها.
ومن الناس من ذهب إلى أن العمل الغير المتوقف على النية كالصدقة وصلة الرحم ينتفع به الكافر في الآخرة ولا يحبط بالكفر، فالمراد بالأعمال هنا ما كان من القسم الأول، وإن أريد ما يشمل القسمين التزم كون هذا الحكم مخصوصا بطائفة من الكفار وهم الموصوفون بما تقدم من الصفات وفيه تأمل وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ينصرونهم من بأس الله تعالى وعذابه في أحد الدارين، وجمع- الناصر- لرعاية ما وقع في مقابلته لا لنفي تعدد الأنصار لكل واحد منهم وقد يدعي أن مجيء الجمع هنا أحسن من مجيء المفرد لأنه رأس آية، والمراد من انتفاء- الناصرين- انتفاء ما يترتب على النصر من المنافع والفوائد وإذا انتفت من جمع فانتفاؤها من واحد أولى، ثم إن هذا الحكم وإن كان عاما لسائر الكفار كما يؤذن به قوله تعالى: وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ [البقرة: ٢٧٠، آل عمران: ١٩٢، المائدة: ٧٢] إلا أن له هنا موقعا حيث إن هؤلاء الكفرة وصفوا بأنهم يقتلون الذين يأمرون بالقسط وهم ناصرو الحق- على ما أشار إليه الحديث- ولا يوجد فيهم ناصر يحول بينهم وبين قتل أولئك الكرام فقوبلوا لذلك بعذاب لا ناصر لهم منه ولا معين لهم فيه.
ومن الناس من زعم أن في الآية مقابلة ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء الكفر بالعذاب، وقتل الأنبياء بحبط الأعمال. وقتل الآمرين بانتفاء الناصر وهو كما ترى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ تعجب للنبي صلّى الله عليه وسلم ولكل من يتأتى منه الرؤية من حال أهل الكتاب وأنهم إذا عضتهم الحجة فروا إلى الضجة وأعرضوا عن المحجة، وفيه تقرير لما سبق من أن الاختلاف إنما كان بعد مجيء العلم. وقيل: إنه تنوير لنفي الناصر لهم حيث يصيرون مغلوبين عند تحكيم كتابهم، والمراد بالموصول اليهود- وبالنصيب- الحظ، ومِنَ إما للتبعيض وإما للبيان على معنى نَصِيباً هو الكتاب، أو نصيب منه لأن الوصول إلى كنه كلامه تعالى متعذر فإن جعل بيانا كان المراد إنزال الكتاب عليهم وإن جعل تبعيضا كان المراد هدايتهم إلى فهم ما فيه، وعلى التقديرين اللام في الْكِتابِ للعهد، والمراد به التوراة- وهو المروي عن كثير من السلف- والتنوين للتكثير، وجوز أن يكون اللام في الْكِتابِ للعهد والمراد به اللوح، وأن يكون للجنس وعليه- النصيب- التوراة، ومِنَ للابتداء في الأول ويحتملها، والتبعيض في الثاني والتنوين للتعظيم، ولك أن تجعله على الوجه السابق أيضا كذلك، وجوز على تقدير أن يراد- بالنصيب- ما حصل لهم من العلم أن يكون المقصود تعييرهم بتمردهم واستكبارهم بالنصيب الحقير عن متابعة من له علم لا يوازنه علوم المرسلين كلهم، والتعبير عما أوتوه


الصفحة التالية
Icon