أي أطمعهم في غير مطمع وخدعهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي افتراؤهم وكذبهم أو الذي كانوا يفترونه من قولهم: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلخ- قاله مجاهد- أو من قولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ
[المائدة: ١٨]- قاله قتادة- أو مما يشمل ذلك ونحوه من قولهم: «إن آباءنا الأنبياء يشفعون لنا وإن الله تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أبناءه إلا تحلة القسم» والظرف متعلق- بما عنده- أو- بيفترون- واعترضه الخطيب بأن ما بعد الموصول لا يعمل فيما قبله وأجيب بالتوسع فَكَيْفَ استعظام وتهويل وهدم لما استندوا إليه، وكلمة الاستفهام في موضع نصب على الحال والعامل فيه محذوف- أي كيف تكون حالهم- أو كيف يصنعون أو كيف يكونون، وجوز أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف أي كيف حالهم، وقوله تعالى: إِذا جَمَعْناهُمْ ظرف محض من غير تضمين شرط والعامل فيه العامل في كيف إن قدر أنها منصوبة بفعل مقدر، وإن قلنا: إنها خبر لمبتدأ مضمر كان العامل في إِذا ذلك المقدر أي كيف حالهم في وقت جمعهم لِيَوْمٍ أي في يوم أو لجزاء يوم. لا رَيْبَ فِيهِ أي في وقوعه ووقوع ما فيه، روي أنه أول راية ترفع لأهل الموقف من رايات الكفار راية اليهود فيفضحهم الله تعالى على رؤوس الأشهاد ثم يأمر بهم إلى النار وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ أي ما عملت من خير أو شر، والمراد جزاء ذلك إلا أنه أقيم المكسوب مقام جزائه إيذانا بكمال الاتصال والتلازم بينهما حتى كأنهما شيء واحد وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ شيئا فلا ينقصون من ثوابهم ولا يزادون في عذابهم بل يعطى كل منهم مقدار ما كسبه، والضمير راجع إلى كل إنسان المشعر به كل نفس، وكل يجوز مراعاة معناه فيجمع ضميره ووجه التذكير ظاهر قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تأكيد لما تشعر به الآية السابقة من مزيد عظمته تعالى وعظيم قدرته، وفيه أيضا إفحام لمن كذب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ورد عليه لا سيما المنافقين الذين هم أسوأ حالا من اليهود والنصارى، وبشارة له صلى الله تعالى عليه وسلم بالغلبة الحسية على من خالفه كغلبته بالحجة على من جادله، وبهذا تنظيم هذه الآية الكريمة بما قبلها.
روى الواحدي عن ابن عباس، وأنس بن مالك أنه لما افتتح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مكة وعد أمته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى يطمع في ملك فارس والروم؟!! فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى أبو الحسن الثعالبي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف قال: حدثني أبي عن أبيه قال: خط رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الخندق عام الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان الفارسي، وحذيفة، والنعمان بن مقرن المزني، وستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا فأخرج الله تعالى من بطن الخندق صخرة مدورة كسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا: يا سليمان إرق إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأخبره خبر هذه الصخرة فإما أن تعدل عنها أو يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه قال: فرقي سلمان إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مدورة من بطن الخندق وكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحتك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمر فإنا لا نحب أن نجاوز خطك فهبط رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم مع سلمان الخندق والتسعة على شفير الخندق فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم وكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم تكبير فتح فكبر المسلمون ثم ضربها صلّى الله عليه وسلم الثانية فبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم وكبر صلّى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون ثم ضربها عليه الصلاة والسلام الثالثة فكسرها وبرق منها برق كذلك فكبر صلّى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون وأخذ بيد سلمان ورقي


الصفحة التالية
Icon