عليه وسلم سمى الصلاة- قرة عين- وجعلها أبلغ المحبوبات، ومعلوم أنه ليس للحواس الخمس فيها حظ بل حس سادس مظنته القلب والبصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر والقلب أشد إدراكا من العين وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار فتكون لا محالة لذة القلوب بما تدركه من الأمور الشريفة الإلهية التي تجل أن تدركها الحواس أتم وأبلغ فيكون ميل الطبع السليم والعقل الصحيح إليه أقوى، ولا معنى للحب إلا الميل إلى ما في إدراكه لذة فلا ينكر إذا حب الله تعالى إلا من قعد به القصور في درجة البهائم فلم يجز إدراكه الحواس أصلا، نعم هذا الحب يستلزم الطاعة كما قال الوراق:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه | هذا لعمري في القياس بديع |
لو كان حبك صادقا لأطعته | إن المحب لمن يحب مطيع |
وأكثر المتأخرين على أن مثل ذلك جواب شرط مقدر أي إن تتبعوني يحببكم أي يقربكم- رواه ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة، وقيل: يرض عنكم وعبر عن ذلك بالمحبة على طريق المجاز المرسل أو الاستعارة أو المشاكلة، وجعل بعضهم نسبة المحبة لله تعالى من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله تعالى.
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ أي يتجاوز لكم عنها وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي لمن تحبب اليه بطاعته وتقرب اليه باتباع نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم، والجملة تذييل مقرر لما سبق مع زيادة وعد الرحمة، ووضع الاسم الجليل مع الإضمار لما مر للاشعار باستتباع وصف الألوهية للمغفرة والرحمة، وقرئ- تحبوني. ويحبكم. ويحببكم- من حبه يحبه، ومنه قوله:
أحب- أبا ثروان من- حب- تمره | وأعلم أن الرفق بالجار أرفق |
وو الله لولا تمره- ما حببته | ولا كان أدنى من عبيد ومشرق |
فقال الحسن، وابن جريج: زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنهم يحبون الله تعالى فقالوا يا محمد: إنا نحب ربنا فأنزل الله تعالى هذه الآية،
وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: «وقف النبي صلّى الله عليه وسلم على قريش في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم علقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها الشنوف وهم يسجدون لها فقال: يا معشر قريش لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل ولقد كانا على الإسلام فقالت قريش: يا محمد إنما نعبد هذه حبا لله تعالى لتقربنا إلى الله سبحانه زلفى فأنزل الله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ إلخ،
وفي رواية أبي صالح «إن اليهود لما قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه أنزل هذه الآية فلما نزلت