وعن مجاهد أن الرمز هنا كان تحريك الشفتين، وقيل: الكتابة على الأرض، وقيل: الإشارة بالمسبحة، وقيل:
الصوت الخفي، وقيل: كل ما أوجب اضطرابا في الفهم كان رمزا وهو استثناء منقطع بناء على أن الرمز الإشارة والإفهام من دون كلام- وهو حينئذ ليس من قبيل المستثنى منه- وجوز أن يكون متصلا بناء على أن المراد بالكلام ما فهم منه المرام ولا ريب في كون الرمز من ذاك القبيل، ولا يخفى أن هذا التأويل خلاف الظاهر ويلزم منه أن لا يكون استثناء منقطع في الدنيا أصلا إذ ما من استثناء إلا ويمكن تأويله بمثل ذلك مما يجعله متصلا ولا قائل به، وتعقب ابن الشجري النصب على الاستثناء هنا مطلقا وادعى أن رَمْزاً مفعول به منتصب بتقدير حذف الخافض، والأصل أن لا تكلم الناس إلا برمز، فالعامل الذي قبل أَلَّا مفرغ في هذا النحو للعمل فيما بعدها بدليل أنك لو حذفت أَلَّا وحرف النفي استقام الكلام تقول في نحو- ما لقيت إلا زيدا- لقيت زيدا، وفي- ما خرج إلا زيد- خرج زيد، وكذا لو قلت- آيتك أن تكلم الناس رمزا- استقام. وليس كذلك الاستثناء، فلو قلت: ليس القوم في الدار إلا زيدا أو إلا زيد- ثم حذفت النفي وإلا- فقلت: القوم في الدار زيدا، أو زيد لم يستقم، فكذا المنقطع نحو- ما خرج القوم إلا حمارا- لو قلت: خرج القوم حمارا لم يستقم قاله السفاقسي، وقرأ يحيى بن وثاب «إلا رمزا» بضمتين جمع رموز كرسول ورسل.
وقرئ «ورمزا» بفتحتين جمع رامز- كخادم وخدم- وهو من نادر الجمع وعلى القراءتين يكون حالا من الفاعل والمفعول معا أي مترامزين. ومثله قول عنترة:
متى ما تلقني «فردين» ترجف | روانف إليتيك وتستطارا |
وإليه يشير كلام الجوهري فافهم وقرئ وَالْإِبْكارِ بفتح الهمزة فهو حينئذ جمع بكر كسحر لفظا ومعنى- وهو نادر الاستعمال- قيل: والمراد بالتسبيح الصلاة بدليل تقييده بالوقت كما في قوله تعالى: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الروم: ١٧] وقبل: الذكر اللساني كما أن المراد بالذكر الذكر القلبي، وعلى كلا التقديرين لا تكرار في ذكر التسبيح مع الذكر، وأل- في الوقتين للعموم. وأبعد من جعلها للعهد أي عشي تلك الأيام الثلاثة وأبكارها، والجار والمجرور متعلق بما عنده، وليس من باب التنازع في المشهور، وجوزه بعضهم فيكون الأمر بالذكر مقيدا بهذين الوقتين أيضا، وزعم بعضهم أن تقييده بالكثرة يدل على أنه لا يفيد التكرار، وفيه بعد تسليم أنه مقيد به فقط أن الكثرة أخص من التكرار.