والتقييد، وقد يكون مجازا بمرتبتين لأجل إرسال المجاز وقد تكون الاستعارة في الحبل فقط ويكون الاعتصام باقيا على معناه ترشيحا لها على أتم وجه، والقرينة قد تختلف بالتصرف فباعتبار قد تكون مانعة وباعتبار آخر قد لا تكون، فلا يرد أن احتمال المجازية يتوقف على قرينة مانعة عن إرادة الموضع له فمع وجودها كيف يتأتي إرادة الحقيقة ليصح الأمران في اعْتَصِمُوا وقد تكون الاستعارتان غير مستقلتين بأن تكون الاستعارة في الحبل مكنية وفي الاعتصام تخييلية لأن المكنية، مستلزمة للتخييلية قاله الطيبي، ولا يخفى أنه أبعد من العيوق.
وقد ذكرنا في حواشينا على رسالة ابن عصام ما يرد على بعض هذه الوجوه مع الجواب عن ذلك فارجع إليه إن أردته جَمِيعاً حال من فاعل اعْتَصِمُوا كما هو الظاهر المبادر أي مجتمعين عليه فيكون قوله تعالى: وَلا تَفَرَّقُوا تأكيدا بناء على أن المعنى ولا تتفرقوا عن الحق الذي أمرتم بالاعتصام به، وقيل: المعنى لا يقع بينكم شقاق وحروب كما هو مراد المذكرين لكم بأيام الجاهلية الماكرين بكم، وقيل: المعنى لا تتفرقوا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وروي ذلك عن الحسن وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أي جنسها ومن ذلك الهداية والتوفيق للإسلام المؤدي إلى التآلف وزوال الأضغان، ويحتمل أن يكون المراد بها ما بينه سبحانه بقوله: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً أي في الجاهلية فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بالإسلام، ونِعْمَتَ مصدر مضاف إلى الفاعل، وعَلَيْكُمْ إما متعلق به أو حال منه، وإِذْ إما ظرف للنعمة أو للاستقرار في عَلَيْكُمْ إذا جعلته حالا، قيل: وأراد سبحانه بما ذكر ما كان بين الأوس والخزرج من الحروب التي تطاولت مائة وعشرين سنة إلى أن ألف سبحانه بينهم بالإسلام فزالت الأحقاد- قاله ابن إسحاق- وكان يوم بعاث آخر الحروب التي جرت بينهم وقد فصل ذلك في الكامل، وقيل: أراد ما
كان بين مشركي العرب من التنازع الطويل والقتال العريض، ومنه حرب البسوس، ونقل ذلك عن الحسن رضي الله تعالى عنه
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً أي فصرتم بسبب نعمته التي هي ذلك التأليف متحابين- فأصبح- ناقصة، وإِخْواناً خبره، وقيل: فَأَصْبَحْتُمْ أي دخلتم في الصباح فالباء حينئذ متعلقة بمحذوف وقع حالا من الفاعل وكذا إخوانا أي فأصبحتم متلبسين بنعمته حال كونكم إخوانا، والإخوان جمع أخ وأكثر ما يجمع أخو الصداقة على ذلك على الصحيح، وفي الإتقان الأخ في النسب جمعه إخوة وفي الصداقة إخوان، قاله ابن فارس- وخالفه غيره- وأورد في الصداقة إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: ١٠] وفي النسب أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ [النور:
٣١] وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ أي وكنتم على طرف حفرة من جهنم إذ لم يكن بينكم وبينها إلا الموت وتفسير الشفا بالطرف مأثور عن السدي في الآية ووارد عن العرب، ويثنى على شفوان، ويجمع على أشفاء ويضاف إلى الأعلى ك شَفا جُرُفٍ هارٍ [التوبة: ١٠٩] وإلى الأسفل قيل: كما هنا وكون المراد من النار ما ذكرنا هو الظاهر وحملها على نار الحرب بعيد فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها أي بمحمد صلّى الله عليه وسلم- قاله ابن عباس- والضمير المجرور عائد إما على النار، أو على حُفْرَةٍ أو على شَفا لأنه بمعنى الشفة، أو لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه كما في قوله:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته | كما شرقت صدر القناة من الدم |