والغرض منه ذكر مثال محسوس لعود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة ولا يخفى أن هذا خلاف إجماع المسلمين، وضرب من الهذيان لا يركن إليه أرباب الدين وعدول عما يقتضيه ظاهر الآية المؤيد بالأخبار الصحيحة والآثار الرجيحة إلى ما تمجه الاسماع ولا يدعو إليه داع فالحق اتباع الجماعة ويد الله تعالى معهم، وفي الآية دليل لمن ذهب إلى أن إحياء الموتى يوم القيامة يجمع الأجزاء المتفرقة وإرسال الروح إليها بعد تركيبها وليس هو من باب إعادة المعدوم الصرف لأنه سبحانه بين الكيفية بالتفريق ثم الجمع وإعادة الروح ولم يعدم هناك سوى الجزء الصوري والهيئة التركيبية دون الأجزاء المادية، واحتج بها بعضهم أيضا على أن البنية ليست شرطا في الحياة لأنه تعالى جعل كل واحد من تلك الأجزاء والأبعاض حيا قادرا على السعي والعدو، وقال القاضي: دلت الآية على أنه لا بد من البنية حيث أوجب التقطيع بطلان الحياة، وأجيب بأن حصول المقارنة لا يدل على وجوب المقارنة، والانفكاك في بعض الأحوال يدل على أن المقارنة حيث حصلت ما كانت واجبة ولما دلت الآية على حصول فهم النداء لتلك الأجزاء كانت دليلا قاطعا على أن البنية ليست شرطا للحياة- وفيه تأمل- والمشهور أنها حجة على من ذهب إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وهي ظاهرة في أنه يزيد في الكيف وإن كان لا يزيد في الكم لكن المكلف به هو الجزم الحاصل بالنظر والاستدلال، ويسميه البعض علم اليقين لا الجزم الكائن بالمشاهدة المسمى بعين اليقين فإن في التكليف به حرجا في الدين، وأنت تعلم أن في دلالة الآية على زيادة الايمان ونقصه بناء على الوجه الذي أشرنا إلى اختياره ترددا كما لا يخفى وفيها أيضا دليل على فضل الخليل عليه الصلاة والسلام ويمن الضراعة في الدعاء وحسن الأدب في السؤال حيث أراه سبحانه ما سأله في الحال على أيسر ما
يكون من الوجوه، وأرى عزيزا عليه السلام ما أراه بعد ما أماته مائة عام. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب على أمره حَكِيمٌ ذو حكمة بالغة في أفعاله فليس بناء أفعاله على الأسباب العادية لعجزه عن خرق العادات بل لكونه متضمنا للحكم والمصالح،
حكى أن الله سبحانه لما وفى لابراهيم عليه الصلاة والسلام بما سأل قال له: يا إبراهيم نحن أريناك كيف نحيي الموتى فأرنا أنت كيف تميت الأحياء
مشيرا إلى ما سيأمره به من ذبح ولده عليه الصلاة والسلام وهو من باب الانبساط مع الخليل ودائرة الخلة واسعة إلا أن حفاظ المحدثين لم يذكروا هذا الخبر وليس له رواية في كتب الأحاديث أصلا.
(ومن باب الاشارة في هذه القصة) البقرة ٢٦١- ٦٧٢ وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى أي موتى القلوب بداء الجهل قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ أي ألم تعلم ذلك علما يقينا قالَ بَلى أعلم ذلك:
ولكن للعيان لطيف معنى | له سأل المشاهدة الخليل |