اليتيم ضار سواء عامل الوصي نفسه أو غيره، ومن غفل عن اختلاف الاعتبار كالزمخشري أول (١) بما لا اشعار للفظ به، وعلى العلات المراد من الآية النهي عن أخذ مال اليتيم على الوجه المخصوص بعد النهي الضمني عن أخذه على الإطلاق، والمراد من الأكل في النهي الأخير مطلق الانتفاع والتصرف، وعبر بذلك عنه لأنه أغلب أحواله، والمعنى لا تأكلوا أموالهم مضمونة إلى أموالكم أي تنفقوهما معا ولا تسووا بينهما، وهذا حلال وذاك حرام، فإلى متعلقة بمقدر يتعدى بها، وقد وقع حالا، وقدره أبو البقاء مضافة، ويجوز تعلقها بالأكل على تضمينه معنى الضم، واختار بعضهم كونها بمعنى مع كما في «الذود إلى الذود إبل»، والمراد بالمعية مجرد التسوية بين المالين في الانتفاع أعم من أن يكون على الانفراد، أو مع أموالهم، يفهم من الكشاف أن المعية تدل على غاية قبح فعلهم حيث أكلوا أموالهم مع الغنى عنها، وفي ذلك تشهير لهم بما كانوا يصنعون فلا يلزم القائل بمفهوم المخالفة جواز أكل أموالهم وحدها، ويندفع السؤال بذلك.
وأنت تعلم أن السؤال لا يرد ليحتاج إلى الجواب إذا فسر تبدل الخبيث بالطيب باستبدال أموال اليتامى بماله وأكلها مكانه لأنه حينئذ يكون ذلك نهيا عن أكلها وحدها وهذا عن ضمها، وليس الأول مطلقا حتى يرد سؤال بأنه أي فائدة في هذا بعد ورود النهي المطلق، وفي الكشف لو حمل الانتهاء في إلى على أصله- على أن النهي عن أكلها مع بقاء مالهم لأن أموالهم جعلت غاية- لحصلت المبالغة، والتخلص عن الاعتذار، وظاهر هذا النهي عدم جواز أكل شيء من أموال اليتامى وقد خص من ذلك مقدار أجر المثل عند كون الولي فقيرا، وكون ذلك من مال اليتيم مما لا يكاد يخفى فالقول- بأنه لا حاجة إلى التخصيص لأن ما يأخذه الأولياء من الأجرة فهو مالهم وليس أكله أكل مالهم مع مالهم- لا يخلو عن خفاء إِنَّهُ أي الأكل المفهوم من النهي، وقيل: الضمير للتبدل، وقيل: لهما وهو منزل منزلة اسم الإشارة في ذلك كانَ حُوباً أي إثما، أو ظلما وكلاهما عن ابن عباس وهما متقاربان، وأخرج الطبراني أن رافع بن الأزرق سأله رضي الله تعالى عنه عن الحوب، فقال: هو الإثم بلغة الحبشة، فقال: فهل تعرف العرب ذلك؟
فقال: نعم أما سمعت قول الأعشى:

فإني وما كلفتموني من أمركم ليعلم من أمسى أعق «وأحوبا»
وخصه بعضهم بالذنب العظيم، وقرأ الحسن «حوبا» بفتح الحاء وهو مصدر حاب يحوب حوبا.
وقرىء- «حابا» - وهو أيضا مصدر كالقول والقال وهو على القراءة المشهورة اسم لا مصدر خلافا لبعضهم وتنوينه للتعظيم أي حوبا عظيما، ووصف بقوله تعالى كَبِيراً للمبالغة في تهويل أمر المنهي عنه كأنه قيل إنه من كبار الذنوب العظيمة لا من أفنائها.
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ شروع في النهي عن منكر آخر كانوا يباشرونه متعلق بأنفس اليتامى أصالة وبأموالهم تبعا عقيب النهي عما يتعلق بأموالهم خاصة، وتأخيره عنه لقلة وقوع المنهي عنه بالنسبة إلى الأموال ونزوله منه منزلة المركب من المفرد مع كون المراد من اليتامى هنا صنفا مما أريد منه فيما تقدم، وذلك أنهم كانوا يتزوجون من تحل لهم من يتامى النساء اللاتي يلونهم (٢) لكن لا رغبة فيهن بل في ما لهنّ
(١) قيل: وإن ذهب إلى التأويل لا محالة فالأولى أن يقال: المهزول هو الطيب، والسمين هو الخبيث ضربه مثالا للحرام والحلال فتدبر اهـ منه.
(٢) كذا بخطه، والخطب سهل اهـ.


الصفحة التالية
Icon