لبعض منهم والبعض الآخر لآخر، ولو أفردت الأعداد لفهم من ذلك تجويز الجمع بين تلك الأعداد دون التوزيع ولو ذكرت بكلمة- أو- لفات تجويز الاختلاف في العدد بأن ينكح واحد اثنتين، وآخر ثلاثا أو أربعا وما قيل إنه لا يلتفت إليه الذهن- لأنه لم يذهب إليه أحد- لا يلتفت إليه لأن الكلام في الظاهر الذي هو نكتة العدول، وادعى بعض المحققين أنه لو أتى من الأعداد بما لا يدل على التكرار لم يصح جعله حالا معللا ذلك بأن جميع الطيبات ليس حالها أنها اثنان ولا حالها أنها ثلاثة، وكذا لو قيل: اقتسموا هذا المال الذي هو ألف درهم درهما واثنين وثلاثة وأربعة لم يصح جعل العدد حالا من المال الذي هو ألف درهم لأن حال الألف ليس ذلك بخلاف ما إذا كرر فإن المقصود حينئذ التفصيل في حكم الانقسام كأنه قيل: فانكحوا الطيبات لكم مفصلة ومقسمة إلى ثنتين ثنتين (١)، وثلثا ثلثا، وأربعا أربعا، واقتسموا هذا المال الذي هو ألف درهم مفصلا ومقسما إلى درهم درهم، واثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، وبهذا يظهر فساد ما قيل: من أنه لا فرق بين اثنين ومثنى في صحة الحالية لأن انفهام الانقسام ظاهر من الثاني دون الأول كما لا يخفى، وأنه إنما أتي بالواو دون أو ليفيد الكلام أن تكون الأقسام على هذه الأنواع غير متجاوز إياها إلى ما فوقها لا أن تكون على أحد هذه الأنواع غير مجموع بين اثنين منها وذلك بناء على أن الحال بيان لكيفية الفعل، والقيد في الكلام نفي لما يقابله والواو ليست لأحد الأمرين أو الأمور كأو، وبهذا يندفع ما ذهب إليه البعض من جواز التسع تمسكا بأن الواو للجمع فيجوز الثنتان والثلاث والأربع وهي تسع، وذلك لأن من نكح الخمس أو ما فوقها لم يحافظ على القيد أعني كيفية النكاح وهي كونه على هذا التقدير والتفصيل بل جاوزه إلى ما فوقه ولعل هذا مراد القطب بقوله: إنه تعالى لما ختم الأعداد على الأربعة لم يكن لهم الزيادة عليها وإلا لكان نكاحهم خمسا خمسا، فقول بعضهم: اللزوم ممنوع لعدم دلالة الكلام على الحصر فإن الإنسان إذا قال لولده: افعل ما شئت اذهب إلى السوق وإلى المدرسة وإلى البستان كان هذا تنصيصا في تفويض زمام الاختيار إليه مطلقا ورفع الحجر عنه ولا يكون ذلك تخصيصا للإذن بتلك الأشياء المذكورة بل كان إذنا في المذكور وغيره فكذا هنا، وأيضا ذكر جميع الأعداد متعذر- فإذا ذكر بعض الأعداد بعد فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ كان ذلك تنبيها على حصول الإذن في جميع الأعداد- كلام ليس في محله، وفرق ظاهر بين ما نحن فيه والمثال الحادث.
وقد ذكر الإمام الرازي شبه المجوزين التزوج بأي عدد أريد، وأطال الكلام في هذا المقام إلا أنه لم يأت بما يشرح الصدر ويريح الفكر، وذلك أنه قال: إن قوما شذاذا ذهبوا إلى جواز التزوج بأي عدد واحتجوا بالقرآن والخبر، أما القرآن فقد تمسكوا بهذه الآية بثلاثة أوجه: الأول أن قوله سبحانه: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ إطلاق في جميع الأعداد بدليل أنه لا عدد إلا ويصح استثناؤه منه، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلا، والثاني أن مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ لا يصلح مخصصا لذلك العموم لأن التخصيص بالبعض لا ينفي ثبوت الحكم في الباقي، والثالث أن الواو للجمع المطلق- فمثنى وثلاث ورباع- يفيد حل المجموع وهو تسع بل ثماني عشرة.
وأما الخبر فمن وجهين: الأول أنه ثبت بالتواتر أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مات عن تسع ثم إن الله تعالى أمرنا باتباعه، فقال فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: ١٥٣، ١٥٥] وأقل مراتب الأمر الإباحة، الثاني أن سنة الرجل طريقته والتزوج بالأكثر من الأربع طريقة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فكان ذلك سنة له ثم
إنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «من رغب عن سنتي فليس مني»
وظاهر الحديث يقتضي توجه الذم على من ترك التزوج بالأكثر من الأربع فلا أقل من

(١) كذا بخطه أيضا. والخطب سهل اهـ.


الصفحة التالية
Icon