إيذاء بخلاف ما إذا تركها بعد الخطبة كما لا يخفى، وقال بعضهم: إن فيها إشارة أيضا إلى استحباب الزيادة على الواحدة لمن لم يخف عدم العدل لأنه سبحانه قدم الأمر بالزيادة وعلق أمر الواحدة بخوف عدم العدل، ويا ما أحيلى الزيادة إن ائتلفت الزوجات وصح جمع المؤنث بعد التثنية معربا بالضم من بين سائر الحركات، وهذا لعمري أبعد من العيوق، وأعز من الكبريت الأحمر، وبيض الأنوق:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ذلِكَ أي اختيار الواحدة أو التسري أو الجميع- وهو الأولى- وإليه يشير كلام ابن أبي زيد أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا والعول في الأصل الميل المحسوس يقال: عال الميزان عولا إذا مال، ثم نقل إلى الميل المعنوي وهو الجور، ومنه عال الحاكم إذا جار، والمراد هاهنا الميل المحظور المقابل للعدل أي ما ذكر من اختيار الواحدة والتسري أقرب بالنسبة إلى ما عداهما، من أن لا تميلوا ميلا محظورا لانتفائه رأسا بانتفاء محله في الأول، وانتفاء خطره في الثاني بخلاف اختيار العدد في المهائر، فإن الميل المحظور متوقع فيه لتحقق المحل والخطر، وإلى هذا ذهب بعض المحققين، وجوز بعضهم كون الإشارة إلى ثلاثة أمور: التقليل من الأزواج واختيار الواحدة والتسري، أي هذه الأمور الثلاثة أدنى من جميع ما عداها، والأول أظهر.
وقد حكي عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه فسر أَلَّا تَعُولُوا بأن لا تكثر عيالكم وقد ذكر الشهاب أنه خطأه وحاشاه فيه كثير من المتقدمين لأنه إنما يقال لمن كثرت عياله: أعال يعيل إعالة ولم يقولوا عال يعول.
وأجيب بأن الإمام الشافعي سلك في هذا التفسير سبيل الكناية فقد جعل رضي الله تعالى عنه الفعل في الآية من عال الرجل عياله يعولهم كقولك: مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم، ومن كثرت عياله لزمه أن يعولهم فاستعمل الإنفاق وأراد لازم معناه وهو كثرة العيال، واعترض بأن عال بمعنى مان وأنفق لا دلالة له على كثرة المئونة حتى يكنى به عن كثرة العيال، وأجيب بأن الراغب ذكر أن أصل معنى العول الثقل يقال: عاله أي تحمل ثقل مؤنته، والثقل إنما يكون في كثير الإنفاق لا في قليله فيراد من أَلَّا تَعُولُوا كثرة الإنفاق بقرينة المقام والسياق لأنه ليس المراد نفي المئونة والعيال من أصله إذ من تزوج واحدة كان عائلا وعليه مؤنة فالكلام كالصريح فيه واستعمال أصل الفعل في الزيادة فيه غير عزيز فلا غبار، وذكر في الكشف أنه لا حاجة إلى أصل الجواب عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فإن الكسائي نقل عن فصحاء العرب عال يعول إذا كثر عياله وممن نقله الأصمعي والأزهري وهذا التفسير نقله ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم وهو من أجلة التابعين، وقراءة طاوس- أن لا تعيلوا- مؤيدة له فلا وجه لتشنيع من شنع على الإمام جاهلا باللغات والآثار، وقد نقل الدوري إمام القراء أنها لغة حمير وأنشد:
وإن الموت يأخذ كل حي بلا شك وإن أمشى وعالا
أي وإن كثرت ماشيته وعياله، وأما ما قيل: إن عال بمعنى كثرت عياله يأتي وبمعنى جار واوي فليست التخطئة في استعمال عال في كثرة العيال بل في عدم الفرق بين المادتين، فرد أيضا بما اقتضاه كلام البعض من أن عال له معان: مال وجار وافتقر وكثرت عياله ومان وأنفق وأعجز، يقال: عالني الأمر أي أعجزني ومضارعه ويعيل يعول فهو من ذوات الواو والياء على اختلاف المعاني، تم المراد بالعيال على هذا التفسير يحتمل أن يكون الأزواج كما أشرنا إليه وعدم كثرة الأزواج في اختيار الواحدة وكذا في التقليل إن قلنا إنه داخل في المشار إليه ظاهر، وأما عدم كثرتهن في التسري فباعتبار أن ذلك صادق على عدمهنّ بالكلية.


الصفحة التالية
Icon