المجازي إذ الهنيء حقيقة هو المأكول أو على أنهما حالان من الضمير المنصوب أي كلوه وهو هنيء مريء، وقد يوقف على كلوه ويبتدأ هنيئا مريئا على الدعاء وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام المصدرين كأنه قيل: هنا مرأ، وأورد على ذلك مع أن الدعاء لا يكون من الله تعالى حتى أولوه أنه تحريف لكلام النحاة ومخالفة لهم، فإنهم يجعلون انتصاب هنيئا على الحال، ومريئا إما على الحال، وإما على الوصف، ويدل على فساد ما خرّجه الزمخشري- وصحة قول النحاة- ارتفاع الأسماء الظاهرة بعدا هنيئا مرئيا ولو كانا منتصبين انتصاب المصادر المراد بها الدعاء لما جاز ذلك فيها كما لا يجوز أن يقال: في سقيا لك ورعيا سقيا الله تعالى لك ورعيا الله لك، وإن كان ذلك جائزا في فعله، والدليل على جواز رفع الأسماء الظاهرة بعدهما قول كثير:
«هنيئا مريئا» غير داء مخامر | لعزة من أعراضنا ما استحلت |
وفي كتاب العياشي من الإمامية مرفوعا إلى عليّ كرم الله تعالى وجهه أنه جاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن في بطني وجعا فقال: ألك زوجة؟ قال: نعم قال استوهب منها شيئا طيبة به نفسها من مالها ثم اشتر به عسلا ثم اسكب عليه من ماء السماء ثم اشربه فإني سمعت الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً [ق: ٩] وقال تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ [النحل: ٦٩] وقال عز شأنه: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً فإذا اجتمعت البركة والشفاء والهنيء والمريء شفيت إن شاء الله تعالى ففعل الرجل ذلك فشفي، وأخرج عبد بن حميد وغيره من أصحابنا عن علي كرم الله تعالى وجهه ما يقرب من هذا بلفظ إذا اشتكى أحدكم فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحوها فليشتر بها عسلا وليأخذ من ماء السماء فيجمع هنيئا مرئيا وشفاء ومباركا
وأخرج ابن جرير عن حضرمي أن أناسا يتأثمون أن يرجع أحدهم في شيء مما ساقه الى امرأته فنزلت هذه الآية، وفيها دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث بني الشرط على طيب النفس وقلما يتحقق ولهذا كتب عمر رضي الله تعالى عنه إلى قضاته أن النساء تعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها
قوله صلّى الله عليه وسلم في حديث الاستسقاء: «اسقنا غيثا مريئا»
اهـ منه.