الولي صحيحة لأن ذلك الاختبار إنما يحصل إذا أذن له في البيع والشراء مثلا، وقال الشافعي: الاختيار لا يقتضي الإذن في التصرف لأنه يتوقف على دفع المال إلى اليتيم- وهو موقوف على الشرطين- وهما إنما يتحققان بعد، بل يكون بدونه على حسب ما يليق بالحال، فولد التاجر مثلا يختبر في البيع والشراء إلى حيث يتوقف الأمر على العقد وحينئذ يعقد الولي إن أراد وعلى هذا القياس حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ أي إذا بلغوا حدّ البلوغ وهو إما بالاحتلام، أو بالسن- وهو خمس عشرة سنة- عند الشافعي وأبي يوسف ومحمد- وهي رواية عن أبي حنيفة- وعليها الفتوى عند الحنفية لما أن العادة الفاشية أن الغلام والجارية يصلحان للنكاح وثمرته في هذه المدة ولا يتأخران عنها، والاستدلال بما أخرجه البيهقي في الخلافيات من حديث أنس إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود- ضعيف لأن البيهقي نفسه صرح بأن إسناد الحديث ضعيف، وشاع عن الإمام الأعظم أن السن للغلام تمام ثماني عشرة سنة وللجارية تمام سبع عرة سنة، وله في ذلك قوله تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
[الأنعام: ١٥٢] وأشدّ الصبي ثماني عشرة سنة- هكذا قاله ابن عباس- وتابعه القتبي، وهذا أقل ما قيل فيه فيبنى الحكم عليه للتيقن غير أن الإناث نشوءهن وإدراكهن أسرع فنقصنا في حقهن سنة لاشتمالها على الفصول الأربعة التي يوافق واحد منها المزاج لا محالة، وعنه في الغلام تسع عشرة سنة، والمراد أن يطعن في التاسعة عشرة ويتم له ثماني عشرة، وقيل: فيه اختلاف الرواية لذكر حتى يستكمل تسع عشرة سنة.
وشاع عن الإمام الشافعي أنه قد جعل الإنبات دليلا على البلوغ في المشركين خاصة، وشنع ابن حزم الضال عليه، والذي ذكره الشافعية أنه إذا أسر مراهق ولم يعلم أنه بالغ فيفعل فيه ما يفعل بالبالغين من قتل ومنّ وفداء بأسرى منا أو مال واسترقاق. أو غير بالغ فيفعل فيه ما يفعل بالصبيان من الرق يكشف عن سوأته فإن أنبت فله حكم الرجال وإلا فلا وإنما يفعل به ذلك لأنه لا يخبر المسلمين ببلوغه خوفا من القتل بخلاف المسلم فإنه لا يحتاج إلى معرفة بلوغه بذلك، ولا يخفى أن هذا لا يصلح محلا للتشنيع وغاية ما فيه أنه جعل الإنبات سببا لإجراء أحكام الرجال عليه في هذه المسألة لعدم السبيل إلى معرفة البلوغ فيها وصلاحتيه لأن يكون أمارة في الجملة لذلك ظاهرة، وأما أن فيه أن الإنبات أحد أدلة البلوغ مثل الاحتلام والإحبال والحيض والحبل في الكفار دون المسلمين فلا فَإِنْ آنَسْتُمْ أي أحسستم- قاله مجاهد- وأصل معنى الاستئناس- كما قال الشهاب- النظر من بعد مع وضع اليد على العين إلى قادم ونحوه مما يؤنس به، ثم عم في كلامهم قال الشاعر:

«آنست» نبأة وأفزعها الق ناص عصرا وقد دنا الإمساء
ثم استعير للتبين أي علم الشيء بينا، وزعم بعضهم أن أصله الإبصار مطلقا وأنه أخذ من إنسان العين وهو حدقتها التي يبصر بها، وهو هنا محتمل لأن يراد منه المعنى المجازي أو المعنى الحقيقي، وقرأ ابن مسعود أحستم بحاء مفتوحة وسين ساكنة، وأصله أحسستم بسينين نقلت حركة الأولى إلى الحاء وحذفت لالتقاء الساكنين إحداهما على غير القياس، وقيل: إنها لغة سليم وإنها مطردة في عين كل فعل مضاعف اتصل بها تاء الضمير، أو نونه كما في قول أبي زيد الطائي:
خلا أن العتاق من المطايا أحسن به فهن إليه شوس
مِنْهُمْ رُشْداً أي اهتداء إلى ضبط الأموال وحسن التصرف فيها، وقيل: صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم، وتقديم الجار والمجرور لما مر غير مرة، وقرئ رشدا بفتحتين، ورشدا بضمتين، وهما بمعنى رشدا، وقيل: الرشد، بالضم في الأمور الدنيوية والأخروية، وبالفتح في الأخروية لا غير، والراشد والرشيد يقال فيهما فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ


الصفحة التالية
Icon