الآية نسختها إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً [النساء: ١٠] إلخ، وذهب قوم إلى إباحة الأكل دون الكسوة، ورواه عكرمة عن ابن عباس، وزعم آخرون أن الآية نزلت في حق اليتيم ينفق عليه من ماله بحسب حاله، وحكي ذلك عن يحيى بن سعيد- وهو مردود- لأن قوله سبحانه: فَلْيَسْتَعْفِفْ لا يعطي معنى ذلك، والتفكيك مما لا ينبغي أن يخرج عليه النظم الكريم فَإِذا دَفَعْتُمْ أيها الأولياء الأوصياء إِلَيْهِمْ أي اليتامى بعد رعاية ما ذكر لكم أَمْوالَهُمْ التي تحت أيديكم، وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح للاهتمام به فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ بأن قبضوها وبرئت عنها ذممكم لما أن ذلك أبعد عن التهمة وأنفى للخصومة وأدخل في الأمانة وهو أمر ندب عندنا، وذهب الشافعية والمالكية إلى أنه أمر وجوب، واستدلوا بذلك على أن القيم لا يصدق بقوله في الدفع بدون بينة وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أي شهيدا قاله السدي، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن معنى وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أنه لا شاهد أفضل من الله تعالى فيما بينكم وبينهم وهذا موافق لمذهبنا في عدم لزوم البينة، وقيل: إن المعنى وَكَفى به تعالى محاسبا لكم فلا تخالفوا ما أمرتم به ولا تجاوزوا ما حدّ لكم، ولا يخفى موقع المحاسب هنا لأن الوصي يحاسب على ما في يده، وفي فاعل كَفى كما قال أبو البقاء: وجهان، أحدهما أنه الاسم الجليل، والباء زائدة دخلت لتدل على معنى الأمر، فالتقدير اكتفوا بالله تعالى، والثاني أن الفاعل مضمر والتقدير كَفى الاكتفاء بالله تعالى، فبالله على هذا في موضع نصب على أنه مفعول به، وحَسِيباً حال، وقيل: تمييز، وَكَفى متعدية إلى مفعول واحد عند السمين، والتقدير وكفاكم الله حسيبا، وإلى مفعولين عند أبي البقاء والتقدير، وكفاكم الله شركم، ونحو ذلك.
هذا «ومن باب الإشارة» يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ أي احذروه من المخالفات والنظر إلى الأغيار والزموا عهد الأزل حين أشهدكم على أنفسكم الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وهي الحقيقة المحمدية ويعبر عنها أيضا بالنفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم وبآدم الحقيقي الذي هو الأب لآدم، وإلى ذلك أشار سلطان العاشقين ابن الفارض قدس سره بقوله على لسان تلك الحقيقة:
وإني وإن كنت ابن آدم صورة | فلي فيه معنى شاهد بأبوتي |