المسألة من اثني عشر لاجتماع الثلث والربع، فإذا أخذت الأم أربعة بقي للأب خمسة فلا تفضيل لها عليه، ورجح مذهب الجمهور على مذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بخلوه عن الإفضاء إلى تفضيل الأنثى على الذكر المساوي لها في الجهة والقرب بل الأقوى منها في الإرث بدليل إضعافه عليها عند انفرادهما عن أحد الزوجين، وكونه صاحب فرض وعصبة وذلك خلاف وضع الشرع، وهذا الإفضاء ظاهر في المسألة الأولى، وبذلك علل زيد بن ثابت حكمه فيها مخالفا لابن عباس، فقد أخرج عبد الرزاق والبيهقي عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين. فقال زيد: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وللأب بقية المال فأرسل إليه ابن عباس أفي كتاب الله تعالى تجد هذا؟ قال: لا ولكن أكره أن أفضل أما على أب، ولا يخفى أن هذا لا ينتهض مرجحا لمذهب الجمهور على مذهب الأصم، ومن هنا قال السيد السند وغيره في نصرة مذهبهم عادلين عن المسلك الذي سلكناه: إن معنى قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ هو أن لها ثلث ما ورثاه سواء كان جميع المال أو بعضه، وذلك لأنه لو أريد ثلث الأصل لكفى في البيان فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث كما قال تعالى في حق البنات: وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ بعد قوله سبحانه: فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ فيلزم أن يكون قوله تعالى: وَوَرِثَهُ أَبَواهُ خاليا عن الفائدة، فإن قيل: نحمله على أن الوراثة لهما فقط قلنا: ليس في العبارة دلالة على حصر الإرث فيهما وإن سلم فلا دلالة في الآية حينئذ على صورة النزاع لا نفيا ولا إثباتا، فيرجع فيهما إلى أن الأبوين في الأصول كالابن والبنت في الفروع لأن السبب في وراثة الذكر والأنثى واحد وكل منهما يتصل بالميت بلا واسطة فيجعل ما بقي من فرض أحد الزوجين بينهما أثلاثا كما في حق الابن والبنت وكما في حق الأبوين إذا انفردا بالإرث فلا يزيد نصيب الأم على نصف نصيب الأب كما يقتضيه القياس فلا مجال لما ذهب إليه الأصم أيضا على هذا، وليته سمع ذلك فليفهم.
وقد اختلفوا أيضا في حظ الأم فيما إذا كان مكان الأب جد وباقي المسألة على حالها، فمذهب ابن عباس وإحدى الروايتين عن الصديق، وروى ذلك أهل الكوفة عن ابن مسعود في صورة الزوج وحده أن للأم ثلث جميع المال. وقول أبي يوسف- وهو الرواية الأخرى- عن الصديق رضي الله تعالى عنه: إن لها ثلث الباقي كما مع الأب فعلى هذه الرواية جعل الجد كالأب فيعصب الأم كما يعصبها الأب، والوجه على الرواية الأولى على ما ذكره الفرضيون هو أنه ترك ظاهر قوله تعالى: فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ في حق الأب، وأول بما مر لئلا يلزم تفضيلها عليه مع تساويهما في القرب في الرتبة، وأيد التأويل بقول أكثر الصحابة، وأما في حق الجد فأجرى على ظاهره لعدم التساوي في القرب وقوة الاختلاف فيما بين الصحابة ولا استحالة في تفضيل الأنثى على الذكر مع التفاوت في الدرجة كما إذا ترك امرأة وأختا لأم وأب وأخا للأب، فإن للمرأة الربع، وللأخت النصف وللأخ لأب الباقي، فقد فضلت هاهنا الأنثى لزيادة قربها على الذكر، وأيضا للأم حقيقة الولاد كما للأب فيعصبها والجد له حكم الولاد لا حقيقته فلا يعصبها إذ لا تعصيب مع الاختلاف في السبب بل مع الاتفاق فيه فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ الجمهور على أن المراد بالإخوة عدد ممن له إخوة من غير اعتبار التثليث سواء كانوا من الإخوة أو الأخوات، وسواء كانوا من جهة الأبوين، أو من جهة أحدهما.
وخالف ابن عباس في ذلك فإنه جعل الثلاثة من الإخوة والأخوات حاجبة للأم دون الاثنين فلها معهما الثلث عنده بناء على أن الإخوة صيغة الجمع فلا يتناول المثنى، وبهذا حاج عثمان بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج ابن جرير والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال: إن الأخوين لا يردان الأم عن


الصفحة التالية
Icon