كانوا أكثر من ذلك أي من الاثنين بأن كانوا ثلاثة، أو أكثر فهم شركاء في الثلث الموزع للاثنين لا يزداد عليه شيء، ولا يخفى أن الكلام عليه قاصر عن بيان حكم صورة انفراد الوارث عن الأخ والأخت ومقتض أن يكون المعتبر في استحقاق الورثة للفرض المذكور إخوة بعضهم لبعض من جهة الأم فقط، وخارج على مخرج لا عهد به، وفيه أيضا ما فيه، وقد أوضح ذلك مولانا شيخ الإسلام قدس سره بما لا مزيد عليه. مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ أي من غير ضرار لورثته فلا يقر بحق ليس عليه، ولا يوصي بأكثر من الثلث. قاله ابن جبير فالدين هنا مقيد كالوصية وفي يُوصى قراءتان سبعيتان في البناء للمفعول، والبناء للفاعل، وغَيْرَ على القراءة الأولى حال من فاعل فعل مبني للفاعل مضمر يدل عليه المذكور، وما حذف من المعطوف اعتمادا عليه، ونظيره قوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ [النور: ٣٦] على قراءة «يسبّح» بالبناء للمفعول، وقول الشاعر:
«ليبك» يزيد ضارع لخصومة | ومختبط مما تطيح الطوائح |
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الإضرار بالوصية من الكبائر،
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة»
وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ مصدر مؤكد أي يوصيكم الله بذلك وصية. والتنوين للتفخيم، و «من» متعلقة بمحذوف وقع صفة للنكرة مؤكدا لفخامتها، ونظير ذلك فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء: ١١، التوبة: ٦٠] ولعل السر في تخصيص كل منهما بمحله ما قاله الإمام من أن لفظ الفرض أقوى وآكد من لفظ الوصية، فختم شرح ميراث الأولاد بذكر الفرضية، وختم شرح ميراث الكلالة بالوصية ليدل بذلك على أن الكل وإن كان واجب الرعاية إلا أن القسم الأول وهو حال رعاية الأولاد أولى، وقيل إن الوصية أقوى من الفرض للدلالة على الرغبة وطلب سرعة الحصول، فختم شرح ميراث الكلالة بها لأنها لبعدها ربما لا يعتني بشأنها فحرض على الاعتناء بها بذكر الوصية ولا كذلك ما تقدم، أو منصوب بمضار على أنه مفعول به له إما بتقدير أي أهل وصية الله تعالى، أو على المبالغة لأن المضارة ليست للوصية بل لأهلها