العبارة حيث لم يقل- ومنه متشابهات- لأن ما لا يكون متضح المعنى ويهتدي العلماء إلى تأويله ورده إلى المحكم لا يكون محكما ولا متشهابا بالمعنى المذكور وهو كثير جدا، وأما رابعا فلأن المحكم حينئذ لا يكون- أم الكتاب- بمعنى رجوع المتشابه إليه إذ لا رجوع إليه فيما استأثر الله تعالى بعلمه كعدد الزبانية مثلا، وأما خامسا فلأنه قد ثبت
في الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم دعا لابن عباس فقال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»
ولو كان التأويل مما لا يعلمه إلا الله تعالى لما كان للدعاء معنى، وأما سادسا فلأن ابن عباس رضي الله تعالى عنه كان يقول: أنا ممن يعلم تأويله، وأما سابعا فلأنه سبحانه وتعالى مدح الراسخين بالتذكر في هذا المقام وهو يشعر بأن لهم الحظ الأوفر من معرفة ذلك، وأما ثامنا فلأنه يبعد أن يخاطب الله تعالى عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته، والقول: بأن- أما- للتفصيل فلا بد في مقابلة الحكم على الزائغين من حكم على الراسخين ليتحقق التفصيل. غاية الأمر أنه حذفت- أما- والفاء، وبأن الآية من قبيل الجمع والتقسيم والتفريق فالجمع في قوله سبحانه: أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ والتقسيم في قوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ والتفريق في قوله عز شأنه: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ إلخ فلا بد في مقابلة ذلك من حكم يتعلق بالمحكم وهو أن الراسخين يتبعونه ويرجعون المتشابه إليه على ما هو مضمون قوله سبحانه: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ إلخ مجاب عنه بأن كون- أما- للتفصيل أكثري لا كلي ولو سلم فليس ذكر المقابل في اللفظ بلازم.
ثم لو سلم بأن الآية من قبيل الجمع والتقسيم والتفريق فذكر المقابل على سبيل الاستئناف أو الحال أعني يَقُولُونَ إلخ كاف في ذلك، ورجح الثاني بأنه مذهب الأكثرين من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، والتابعين وأتباعهم خصوصا أهل السنة، وهو أصح الروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، ولم يذهب إلى القول الأول إلا شرذمة قليلة بالنسبة إلى الأكثرين كما نص عليه ابن السمعاني وغيره- ويد الله تعالى مع الجماعة- ويدل على صحة مذهبهم أخبار كثيرة، الأول ما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره، والحاكم في مستدركه عن ابن عباس أنه كان يقرأ- وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به- فهذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وإن لم تثبت بها القراءة فأقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه على من دونه، وحكى الفراء أن في قراءة أبيّ بن كعب أيضا- ويقول الراسخون في العلم.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش قال في قراءة ابن مسعود- وإن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به- الثاني ما
أخرج الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: «لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال: أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وما يبتغي تأويله إلا الله تعالى».
«الحديث الثالث» ما
أخرج ابن مردويه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: «إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه فآمنوا به».
الرابع ما
أخرج الحاكم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا».
وأخرج البيهقي في الشعب نحوه عن أبي هريرة،
الخامس ما
أخرجه ابن جرير عن ابن عباس مرفوعا «أنزل


الصفحة التالية
Icon