الكلام خرط القتاد، فلهذا شاع القول بعدم العطف وكان القول به أسلم.
ويؤيد ما قلنا ما ذكره الإمام الشعراني قال: أخبرني شيخنا علي الخواص قدس سره إن الله تعالى أطلعه على معاني سورة الفاتحة فخرج منها مائتي ألف علم وأربعين ألف علم وتسعمائة وتسعين علما وكان يقول: لا يسمى عالما أي عند أهل الله تعالى إلا من عرف كل لفظ جاءت به الشريعة، وقال في الكشف في نحو ق [ق: ١]، ص [ص: ١] حم [غافر: ١، فصلت: ١، الشورى: ١، الزخرف: ١، الدخان: ١، الجاثية: ١، الأحقاف: ١] طس [النمل: ١] : لعل إدراك ما تحته عند أهله كإدراكنا للأوليات ولا يستبعد، ففيض الباري عم نواله غير محصور، واستعداد الإنسان الكامل عن القبول غير محسور، ومن لم يصدق إجمالا- بأن وراء مدركات الفكرة ومباديها طورا أو أطوارا حظ العقل منها حظ الحسّ من المعقولات- فهو غير متخلص عن مضيق التعطيل أو التشبيه وإن لم يتدارك حاله بقي بعد كشف الغطا في هذا التيه، ولتتحقق من هذا أن المراتب مختلفة وأن الإحاطة على الحقائق الإلهية كما هي مستحيلة إلا للباري جل ذكره وأنه لا بد للعارف وإن وصل إلى أعلى المراتب أن يبقى له ما يجب الإيمان به غيبا وهو من المتشابه الذي يقول الراسخون فيه: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا فهذا ما يجب أن يعتقد كي لا يلحد.
ثم اعلم أن كثيرا من الناس جعل الصفات النقلية من الاستواء واليد والقدم والنزول إلى السماء الدنيا والضحك والتعجب وأمثالها من المتشابه، ومذهب السلف والأشعري رحمه الله تعالى من أعيانهم- كما أبانت عن حاله الإبانة (١) - أنها صفات ثابتة وراء العقل ما كلفنا إلا اعتقاد ثبوتها مع اعتقاد عدم التجسيم والتشبيه لئلا يضاد النقل العقل، وذهب الخلف إلى تأويلها وتعيين مراد الله تعالى منها فيقولون: الاستواء مثلا بمعنى الاستيلاء والغلبة، وذلك أثر من آثار بعض الصفات الثمانية التي ليس لله تعالى عندهم وراءها صفة حتى ادعى السكوتي- وليته سكت- أن ما وراء ذلك ممتنع إذ لا يلزم من نفيه محال وكل ما لا يلزم من نفيه محال لا يكون واجبا، والله تعالى لا يتصف إلا بواجب، وذكر الشعراني في الدرر المنثورة أن مذهب السلف أسلم وأحكم إذ المؤول انتقل عن شرح الاستواء الجسماني على العرش المكاني بالتنزيه عنه إلى التشبيه السلطاني الحادث وهو الاستيلاء على المكان فهو انتقال عن التشبيه بمحدث ما إلى التشبيه بمحدث آخر فما بلغ عقله في التنزيه مبلغ الشرع فيه في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:
١١] ألا ترى أنه استشهد في التنزيه العقلي في الاستواء بقول شاعر:
قد- استوى- بشر على العراق | من غير حرب ودم مهراق |