والتزم تأويل جميع ما يدل على ذلك، ولا يخفى أن هذا القول مما يكاد يجر إلى الأمن من مكر الله تعالى والتزام تأويل النصوص لشبهة اختلجت في الصدر هي أوهن من بيت العنكبوت في التحقيق مما لا يقدم عليه من له أدنى مسكة كما لا يخفى فتدبر، وبَعْدَ منصوب على الظرفية والعامل فيه تُزِغْ، وإِذْ مضاف إليه وهي متصرفة كما ذكره أجلة النحويين، وأما القول بأنها بمعنى أن المصدرية المفتوحة الهمزة، والمعنى- بعد هدايتنا فمما ذكره الحوفي في إعراب القرآن ولم ير لغيره، والمذكور في النحو أنها تكون حرف تعليل فتؤول مع ما بعدها بالمصدر نحو وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ [الزخرف: ٣٩] أي لظلمكم فإن كان أخذ من هذا فهو كما ترى، وقرئ- «لا تزغ» - بالياء والتاء ورفع القلوب وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ كلا الجارين متعلق- بهب- وتقديم الأول اعتناء به وتشويقا إلى الثاني، ويجوز تعلق الثاني بمحذوف هو حال من المفعول أي كائنة من لدنك، ومِنْ لابتداء الغاية المجازية، ولدن- ظرف، وهي لأول غاية زمان، أو مكان، أو غيرهما من الذوات نحو- من لدن زيد- وليست مرادفة لعند بل قد تكون بمعناها، وبعضهم يقيدها بظرف المكان وهي ملازمة للإضافة فلا تنفك عنها بحال، فتارة تضاف إلى المفرد، وتارة إلى الجملة الاسمية أو الفعلية وقلما تخلو عن مِنْ، وفيها لغتان، الإعراب- وهي لغة قيس- والبناء وهي اللغة المشهورة- وسببه شبهها بالحرف في لزوم استعمال واحد وامتناع الإخبار بها بخلاف- عند، ولديّ- فانهما لا يلزمان استعمالا واحدا إذ يكونان فضلة، وعمدة، وغاية، وغير غاية، قيل: ولقوة هذا الشبه لا تعرب إذا أضيفت في المشهور واللغتان المذكورتان من الإعراب والبناء مختصان- بلدن- المفتوحة اللام المضمومة الدال الواقع آخرها نون، وأما بقية لغاتها فإنها فيها مبنية عند جميع العرب وفيها لغات المشهورة منها ما تقدم- ولدن ولدن- بفتح الدال وكسرها- ولدن، ولدن- بفتح اللام وضمها مع سكون الدال- ولدن- بفتح اللام وضم الدال وبإبدال الدال تاء ساكنة ومتى أضيفت المحذوفة النون إلى ضمير وجب رد النون رَحْمَةً مفعول- لهب- وتنوينه للتفخيم، والمراد بالرحمة الإحسان والإنعام مطلقا، وقيل: الإنعام المخصوص وهو التوفيق للثبات على الحق، وفي سؤال ذلك بلفظ لأنه إشارة إلى أن ذلك منه تعالى تفضل محض من غير شائبة وجوب عليه عز شأنه وتأخير المفعول الصريح للتشويق إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ تعليل للسؤال أو لاعطاء المسئول، وأَنْتَ إما مبتدأ أو فصل أو تأكيد لاسم- إن- وحذف المعمول لإفادة العموم كما في قولهم: فلان يعطي واختيار صيغة المبالغة على فعال قيل: لمناسبة رؤوس الآي رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ المكلفين وغيرهم لِيَوْمٍ أي لحساب يوم، أو لجزاء يوم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه تهويلا لما يقع فيه، وقيل: اللام بمعنى إلى أي جامعهم في القبور إلى يوم لا رَيْبَ فِيهِ أي لا ينبغي أن يرتاب في وقوعه ووقوع ما فيه من الحشر والحساب والجزاء. وقيل: الضمير المجرور للحكم أي لا ريب في هذا الحكم، فالجملة على الأول صفة ليوم، وعلى الثاني لتأكيد الحكم ومقصودهم من هذا- كما قال غير واحد- عرض كمال افتقارهم إلى الرحمة وأنها المقصد الأسنى عندهم، والتأكيد لإظهار ما هم عليه من كمال الطمأنينة وقوة اليقين بأحوال الآخرة لمزيد الرغبة في استنزال طائر الإجابة. وقرئ جامِعُ النَّاسِ بالتنوين إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ تعليل لمضمون الجملة المؤكدة أو لانتفاء الريب، وقيل: تأكيد بعد تأكيد للحكم السابق وإظهار الاسم الجليل مع الالتفات للاشارة إلى تعظيم الموعود والإجلال الناشئ من ذكر اليوم المهيب الهائل، وللإشعار بعلة الحكم فإن الألوهية منافية للإخلاف وهذا بخلاف ما في آخر السورة حيث أتى بلفظ الخطاب فيه لما أن مقامه مقام طلب الانعام، وقال الكرخي: الفرق بينهما أن ما هنا متصل بما قبله اتصالا لفظيا فقط وما في الآخر متصل اتصالا معنويا ولفظيا لتقدم لفظ الوعد، وجوز أن تكون
هذه الجملة من كلامه تعالى لتقرير قول الراسخين لا من كلام الراسخين فلا التفات حينئذ، قال السفاقسي: وهو الظاهر، والْمِيعادَ مصدر ميمي بمعنى الحدث لا بمعنى الزمان والمكان وهو اللائق بمفعولية-


الصفحة التالية
Icon