هذا ومن باب الإشارة الإجمالية في بعض الآيات السابقة أنه سبحانه أشار بقوله عز من قائل: ووَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ إلى النهي عن التصرف في السفليات التي هي الأمهات التي قد تصرف فيها الآباء العلوية إلا ما قد سلف من التدبير الإلهي في ازدواج الأرواح لضرورة الكمالات، فإن الركون إلى العالم السفلي يوجب مقت الحق سبحانه، وأشار سبحانه بتحريم المحصنات من النساء أي الأمور التي تميل إليها النفوس إلى تحريم سلب السالك مقاما ناله غيره، وليس له قابلية لنيله، ومن هنا قوبل الكليم بالصعق لما سأل الرؤية، وقال شاعر الحقيقة المحمدية:
ولست مريدا أرجعن بلن ترى | ولست بطور كي يحركني الصدع |
وإذا سألتك أن أراك حقيقة | فاسمح ولا تجعل جوابي لن ترى |
إذا لم تستطع شيئا فدعه | وجاوزه إلى ما تستطيع |
وقيل: إنه إذا قصد التأكيد جاز من غير ضعف، وقد قصد هنا تأكيد الاستقبال اللازم للإرادة ولكن باعتبار التعلق وإلا فإرادة الله تعالى قديمة، وسمى صاحب اللباب هذه اللام لام التكملة وجعلها مقابلة للام التعدية.
وذهب بعض البصريين إلى أن الفعل مؤول بالمصدر من غير سابك كما قيل به في- تسمع بالمعيدي خير من أن تراه- على أنه مبتدأ والجار والمجرور خبره أي إرادتي كائنة للتبيين وفيه تكلف، وذهب الكوفيون إلى أن اللام هي الناصبة للفعل من غير إضمار إن وهي وما بعدها مفعول للفعل المقدم لأن اللام قد تقام مقام إن في فعل الإرادة والأمر، والبصريون يمنعون ذلك ويقولون: إن وظيفة اللام الجر والنصب بأن مضمرة بعدها، ومفعول- يبين- على بعض الأوجه محذوف أي لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ما هو خفي عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم، أو ما تعبدكم به أو نحو ذلك، وجوز أن يكون قوله تعالى: لِيُبَيِّنَ وقوله تعالى: وَيَهْدِيَكُمْ تنازعا في قوله سبحانه: سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أي مناهج من تقدمكم من الأنبياء والصالحين لتقتفوا أثرهم وتتبعوا سيرهم، وليس المراد أن الحكم كان كذلك في الأمم السالفة كما قيل به، بل المراد كون ما ذكر من نوع طرائق المتقدمين الراشدين وجنسها في بيان المصالح وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ عطف على ما قبله وحيث كانت التوبة ترك الذنب مع الندم والعزم على عدم العود وهو مما يستحيل إسناده إلى الله تعالى ارتكبوا تأويل ذلك في هذا المقام بأحد أمور: فقيل إن التوبة هنا بمعنى المغفرة