الَّذِينَ آمَنُوا
[المائدة: ١] وفيها الخطاب بذلك في مواضع وهو أشبه بخطاب المدني، وتقديم العام وشبه المكي أنسب.
ثم إن هاتين السورتين في التلازم والاتحاد نظير البقرة وآل عمران، فتانك اتحدا في تقرير الأصول من الوحدانية والنبوة ونحوهما، وهاتان في تقرير الفروع الحكمية.
وقد ختمت المائدة في صفة القدرة كما افتتحت النساء بذلك، وافتتحت النساء ببدء الخلق، وختمت المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء، فكأنهما سورة واحدة اشتملت على الأحكام من المبدأ إلى المنتهى، ولهذه السورة أيضا اعتلاق بالفاتحة والزهراوين كما لا يخفى على المتأمل.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الوفاء حفظ ما يقتضيه العقد والقيام بموجبه، ويقال: وفى ووفى وأوفى بمعنى، لكن في المزيد مبالغة ليست في المجرد، وأصل العقد الربط محكما. ثم تجوز به عن العهد الموثوق، وفرق الطبرسي بين العقد والعهد، بأن العقد فيه معنى الاستيثاق والشد ولا يكون إلا بين اثنين، والعهد قد يتفرد به واحد، واختلفوا في المراد بهذه العقود على أقوال: أحدها أن المراد به العهود التي أخذ الله تعالى على عباده بالإيمان به وطاعته فيما أحل لهم أو حرم عليهم وهو مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وثانيهما العقود التي يتعاقدها الناس بينهم كعقد الايمان وعقد النكاح وعقد البيع. ونحو ذلك وإليه ذهب ابن زيد وزيد بن


الصفحة التالية
Icon