قطرية فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه»
وسكت عليه أبو داود فهو حجة، وظاهره استيعاب تمام المقدم، وتمام مقدم الرأس هو الربع المسمى بالناصية، ومثله ما
رواه البيهقي عن عطاء «أنه صلّى الله عليه وسلّم توضأ فحسر العمامة ومسح مقدم رأسه، أو قال: ناصيته»
فإنه حجة وإن كان مرسلا عندنا، وكيف وقد اعتضد بالمتصل؟ بقي شيء وهو أن ثبوت الفعل كذلك لا يستلزم نفي جواز الأقل فلا بد من ضم الملازمة القائلة لو جاز الأقل لفعله مرة تعليما للجواز، وقد يمنع بأن الجواز إذا كان مستفادا من غير الفعل لم يحتج إليه فيه، وهنا كذلك نظرا إلى الآية فإن الباء فيها للتبعيض وهو يفيد جواز الأقل فيرجع البحث إلى دلالة الآية، فيقال حينئذ: إن الباء للإلصاق وهو المعنى المجمع عليه لها بخلاف التبعيض، فإن الكثير من محققي أئمة العربية ينفون كونه معنى مستقلا للباء بخلاف ما إذا كان في ضمن الإلصاق كما فيما نحن فيه، فإن إلصاق الآلة بالرأس الذي هو المطلوب لا يستوعب الرأس، فإذا ألصق فلم يستوعب خرج عن العهدة بذلك البعض، وحينئذ فتعين الربع لأن اليد إنما تستوعب قدره غالبا فلزم.
وفي بعض الروايات أن المفروض مقدار ثلاث أصابع، وصححها بعض المشايخ إلى أن الواجب إلصاق اليد والأصابع أصلها، ولذا يلزم كمال دية اليد بقطعها والثلاث أكثرها، وللأكثر حكم الكل، ولا يخفى ما فيه، وإن قيل:
إنه ظاهر الرواية، وذهب الإمام مالك رضي الله تعالى عنه والإمام أحمد في أظهر الروايات عنه إلى أنه يجب استيعاب الرأس بالمسح، والإمامية إلى ما ذهب إليه الشافعي رضي الله تعالى عنه، ولو أصاب المطر قدر الفرض سقط عندنا، ولا يشترط إصابته باليد لأن الآلة لم تقصد إلا للإيصال إلى المحل فحيث وصل استغنى عن استعمالها، ولو مسح ببل في يده لم يأخذه من عضو آخر جاز، وإن أخذه لا يجوز، ولو مسح بإصبع واحدة مدها قدر الفرض، وكذا بإصبعين- على ما قيل- لا يجوز خلافا لزفر، وعللوه بأن البلة صارت مستعملة وهو على إشكاله بأن الماء لا يصير مستعملا قبل الانفصال ليستلزم عدم جواز مد الثلاث على القول بأنه لا يجزىء أقل من الربع، والمشهور في ذلك الجواز، واختار شمس الأئمة أن المنع في مد الأصبع والاثنتين غير معلل باستعمال البلة بدليل أنه لو مسح بإصبعين في التيمم لا يجوز مع عدم شيء يصير مستعملا خصوصا إذا تيمم على الحجر الصلد، بل الوجه عنده أنا مأمورون بالمسح باليد والإصبعان منها لا تسميان يدا بخلاف الثلاث لأنها أكثر ما هو الأصل فيها، وهو حسن- كما قال ابن الهمام- لكنه يقتضي تعين الإصابة باليد وهو منتف بمسألة المطر، وقد يدفع بأن المراد تعينها أو ما يقوم مقامها من الآلات عند قصد الإسقاط بالفعل اختيارا غير أن لازمه كون تلك الآية التي هي غير اليد مثلا قدر ثلاث أصابع من اليد حتى لو كان عودا مثلا لا يبلغ ذلك القدر قلنا: بعدم جواز مده، وقد يقال: عدم الجواز بالإصبع بناء على أن البلة تتلاشى وتفرغ قبل بلوغ قدر الفرض بخلاف الإصبعين، فإن الماء يتحمل بين الإصبعين المضمومتين فضل زيادة تحتمل الامتداد إلى قدر الفرض وهذا مشاهد أو مظنون، فوجب إثبات الحكم باعتباره، فعلى اعتبار صحة الاكتفاء بقدر ثلاث أصابع يجوز مد الإصبعين لأن ما بينهما من الماء يمتد قدر إصبع ثالثة، وعلى اعتبار توقف الإجزاء على الربع لا يجوز لأن ما بينهما لا يغلب على الظن إيعابه الربع إلا أن هذا يعكر عليه عدم جواز التيمم بإصبعين فلو أدخل رأسه إناء ماء ناويا للمسح جاز، والماء طهور عند أبي يوسف لأنه لا يعطى له حكم الاستعمال إلا بعد الانفصال والذي لاقى الرأس من أجزائه لصق به فطهره، وغيره لم يلاقه فلا يستعمل.
واتفقت الأئمة على أن المسح على العمامة غير مجزىء إلا أحمد فإنه أجاز ذلك بشرط أن يكون من العمامة شيء تحت الحنك رواية واحدة، وهل يشترط أن يكون قد لبسها على طهارة؟ فيه روايتان، واختلفت الرواية عنه أيضا في مسح المرأة على قناعها المستدير تحت حلقها، فروي عنه جواز المسح كعمامة الرجل ذات الحنك وروي عنه


الصفحة التالية
Icon