الجبائي: المعنى بينا عن حال قلوبهم وما هي عليه من القساوة وحكمنا بأنهم لا يؤمنون ولا تنفع فيهم موعظة، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر وما دعا إليه إلا الاعتزال، وقرأ حمزة والكسائي قسية، وهي إما مبالغة قاسية لكونه على وزن فعيل، أو بمعنى ردية من قولهم: درهم قسي إذا كان مغشوشا، وهو أيضا من القسوة، فإن المغشوش فيه يبس وصلابة، وقيل: إن قسي غير عربي بل معرب وقرىء- قسية- بكسر القاف للاتباع يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ استئناف لبيان مرتبة قساوة قلوبهم فإنه لا مرتبة أعظم مما ينشأ عنه الاجتراء على تحريف كلام رب العالمين والافتراء عليه عز وجل، والتعبير بالمضارع للحكاية واستحضار الصورة، وللدلالة على التجدد والاستمرار، وجوز أن يكون حالا من مفعول لَعَنَّاهُمْ، أو من المضاف إليه في قلوبهم وضعف بما ضعف، وجعله حالا من القلوب، أو من ضميره في قاسِيَةً كما قيل، لا يصح لعدم العائد منه إلى ذي الحال، وجعل القلوب بمعنى أصحابها مما لا يلتفت إليه أصحابها وَنَسُوا حَظًّا أي وتركوا نصيبا وافيا، واستعمال النسيان بهذا المعنى كثير مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ من التوراة:
أو مما أمروا به فيها من اتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم وقيل: حرفوا التوراة فسقطت بشؤم ذلك أشياء منها عن حفظهم، وأخرج ابن المبارك وأحمد في الزهد عن ابن مسعود قال: إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها، وفي معنى ذلك قول الشافعي رضي الله تعالى عنه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي | فأرشدني إلى ترك المعاصي |
وأخبرني بأن العلم نور | ونور الله لا يهدى لعاصي |
وروي ذلك عن قتادة، وعن الجبائي أنها منسوخة بقوله تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ [الأنفال: ٥٨] إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ تعليل للأمر وحث على الامتثال وتنبيه على أن العفو على الإطلاق من باب الإحسان.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ أمر بالتطهير لمن أراد الوقوف بين يدي الملك الكبير جل شأنه وعظم سلطانه، وبدأ بالوجه- لأنه سبحانه وتعالى نقشه