الذين حجبوا بأنفسهم عن الحق أَوْلِياءَ للمباينة في الأحوال وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ به عز شأنه وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ أي الحضور في حضرة الرب اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ الأسرار ولم يفهموا ما في الصلاة من بلوغ الأوطار،
فقد صح «حبب لي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة»
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ وتنكرون مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ فجمعنا بين الظاهر والباطن وطرنا بهذين الجناحين إلى الحضرة القدسية وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ أي بدلنا صفاتهم بصفات هاتيك الحيوانات من الحيل والحرص والشهوة وقلة الغيرة وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ وهو كل ما يطغى مما سوى الله تعالى أي إنهم انقادوا إليه وخضعوا له، ومن أولئك من هو عابد الدرهم والدينار أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً لأنهم أبطلوا استعدادهم الفطري وضلوا ضلالا بعيدا وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ أي يقدمون بسرعة على جميع الرذائل لاعتيادهم لها وتدربهم فيها وكونها ملكات لنفوسهم، فالإثم رذيلة القوة النطقية والعدوان رذيلة القوى الغضبية، وأكل السحت رذيلة القوى الشهوية وَقالَتِ الْيَهُودُ لحرمانهم من الأسرار التي لا يطلع عليها أهل الظاهر يَدُ اللَّهِ تعالى عما يقولون مَغْلُولَةٌ فلا يفيض غير ما نحن فيه من العلوم الظاهرة غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وحرموا إلى يوم القيامة عن تناول ثمار أشجار الأسرار وَلُعِنُوا أي أبعدوا عن الحضرة الإلهية بِما قالُوا من تلك الكلمة العظيمة بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ بهما كَيْفَ يَشاءُ فيفيض حسب الحكمة من أنواع العلوم الظاهرة والباطنة على من وجده أهلا لذلك، وإلى الظاهر والباطن أشار صلّى الله عليه وسلّم «بالليل والنهار» فيما
أخرجه البخاري وغيره «يد الله تعالى ملأى لا يغيضها سحاء الليل والنهار»
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا الإيمان الحقيقي وَاتَّقَوْا شرك أفعالهم وصفاتهم وذواتهم، ولو أنهم آمنوا بالعلوم الظاهرة وَاتَّقَوْا الإنكار والاعتراض على من روى من العلوم الباطنة وسلموا لهم أحوالهم كما قيل:
وإذا لم تر الهلال فسلم | لأناس رأوه بالأبصار |
وفي تعليق الأكل من فوق ومن تحت الأرجل على الإقامة بما ذكر، واختصاص مِنْ الابتدائية ما يلوح إلى معنى
قوله عليه الصلاة والسلام: «من عمل بما علم ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم»
لأنهم إذا أقاموا العمل بكتاب الله