ريحا فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله تعالى قد طيب ريحك وحسن صورتك فيقول: كذلك كنت في الدنيا أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم وتلا يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً [مريم: ٨٥] وإن كان الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله تعالى قد قبح صورتك ونتن ريحك فيقول: كذلك كنت في الدنيا أنا عملك السيّء طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك وتلا وَهُمْ يَحْمِلُونَ الآية.
وبعضهم يجعل كل ما ورد في هذا الباب مما ذكر تمثيلا أيضا. ولا مانع من الحمل على الحقيقة وإجراء الكلام على ظاهره، وقد قال كثير من أهل السنة بتجسيم الأعمال في تلك الدار وهو الذي يقتضيه ظاهر الوزن.
أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ تذييل مقرر لما قبله وتكملة له، وساءَ تحتمل- كما قيل- هنا ثلاثة أوجه، أحدها أن تكون المتعدية المتصرفة وزنها فعل بفتح العين، والمعنى ألا ساءهم ما يزرون وما موصولة أو مصدرية أو نكره موصوفة فاعل لها والكلام خبر، وثانيها أنها حولت إلى فعل اللازم بضم العين وأشربت معنى التعجب، والمعنى ما أسوأ الذي يزرونه أو ما أسوأ وزرهم. وثالثها أنها حولت أيضا للمبالغة في الذم فتساوي بئس في المعنى والأحكام.
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ لما حقق سبحانه وتعالى فيما سبق أن وراء الحياة الدنيا حياة أخرى يلقون فيها من الخطوب ما يلقون بين جل شأنه حال تينك الحياتين في أنفسهما وجعله بعضهم جوابا لقولهم: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وفيه بعد، وكيفما كان فالمراد وما أعمال الحياة الدنيا المختصة بها إلا كاللعب واللهو في عدم النفع والثبات، وبهذا التقدير خرج- كما قال غير واحد- ما فيها من الأعمال الصالحة كالعبادة إنما كان لضرورة المعاش، والكلام من التشبيه البليغ ولو لم يقدر مضاف، وجعلت الدنيا نفسها لعبا ولهوا مبالغة كما في قوله:
وإنما هي إقبال وإدبار صح، واللهو واللعب- على ما في درة التنزيل- يشتركان في أنهما الاشتغال بما لا يعني العاقل ويهمه من هوى وطرب سواء كان حراما أو لا وفرق بينهما بأن اللعب ما قصد به تعجيل المسرة والاسترواح به واللهو كل ما شغل من هوى وطرب وإن لم يقصد به ذلك، وإذا أطلق اللهو فهو- على ما قيل- اجتلاب المسرة بالنساء كما في قوله:
ألا زعمت بسياسة اليوم أنني | كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي |