مما لا مرية، فيه، وفي الخازن اختلفوا في وجه التشبيه فقيل: إن الله تعالى كما يخلق النبات بواسطة إنزال المطر كذلك يحي الموتى بواسطة إنزال المطر أيضا، فقد روي عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى أمطر عليهم ماء من تحت العرش يدعى ماء الحياة أربعين سنة فينبتون كما ينبت الزرع من الماء. وفي رواية أربعين يوما فينبتون في قبورهم نبات الزرع حتى إذا استكملت أجسادهم تنفخ فيهم الروح ثم يلقى عليهم النوم فينامون في قبورهم فإذا نفخ في الصور النفخة الثانية عاشوا ثم يحشرون في قبورهم ويجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم كما يجد النائم حين يستيقظ من نومه فعند ذلك يقولون: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا؟ فيناديهم المنادي: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس: ٥٢].
وأخرج غير واحد عن مجاهد أنه إذا أراد الله تعالى أن يخرج الموتى أمطر السماء حتى تشقق عنهم الأرض ثم يرسل سبحانه الأرواح فتعود كل روح إلى جسدها، فكذلك يحيي الله تعالى الموتى بالمطر كإحيائه الأرض.
وقيل: إنما وقع التشبيه بأصل الإحياء من غير اعتبار كيفية فيجب الإيمان به ولا يلزمنا البحث عن الكيفية ويفعل الله سبحانه ما يشاء لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فتعلمون أن من قدر على ذلك فهو قادر على هذا من غير شبهة. والأصل «تتذكرون» فطرحت إحدى التاءين، والخطاب قيل: للنظار مطلقا، وقيل: لمنكري البعث.
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ أي الأرض الكريمة التربة التي لا سبخة ولا حرة، واستعمال البلد بمعنى القرية عرف طار، ومن قبيل ذلك إطلاقه على مكة المكرمة يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ بمشيئته وتيسيره، وهو في موضع الحال، والمراد بذلك أن يكون حسنا وافيا غزير النفع لكونه واقعا في مقابلة قوله: وَالَّذِي خَبُثَ من البلاد كالسبخة والحرة لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً أي قليلا لا خير فيه، ومن ذلك قوله:
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن | أعطيت أعطيت تافها نكدا |
فقال لي قول ذي رأي ومقدرة | مجرب عاقل نزه عن الريب |
نعم الله تعالى ومنها تصريف الآيات وشكر ذلك بالتفكر فيها والاعتبار بها، وخص الشاكرين لأنهم المنتفعون بذلك.
وقال الطيبي: ذكر لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ بعد لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ من باب الترقي لأن من تذكر آلاء الله تعالى عرف حق النعمة فشكر، وهذا- كما قال غير واحد- مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتنبيه من المكلفين ولمن لا يؤثر فيه شيء من ذلك.
أخرج ابن المنذر وغيره عن ابن عباس أن قوله سبحانه وتعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ إلخ مثل ضربه الله تعالى