الله تعالى عنه وهو سبب النزول أن المسلمين اختلفوا في غنائم بدر وفي قسمتها فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيف تقسم ولمن الحكم فيها أهو للمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعا؟ فنزلت هذه الآية.
وقال بعضهم: إن السؤال استعطاء. والمراد بالنفل ما شرط للغازي زائدا على سهمه، وسبب النزول غير ما ذكر.
فقد أخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من قتل قتيلا فله كذا ومن جاء بأسير فله كذا فجاء أبو اليسر بن عمرو الأنصاري بأسيرين فقال: يا رسول الله إنك قد وعدتنا. فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله إنك إن أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك أن يأتوك من ورائك فتشاجروا فنزل القرآن،
وادعوا زيادة عَنِ واستدلوا لذلك بقراءة ابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص وعلي بن الحسين وزيد ومحمد الباقر وجعفر الصادق وطلحة بن مصرف «يسألونك الأنفال» وتعقب بأن هذه القراءة من باب الحذف والإيصال وليست دعوى زيادة عَنِ في القراءة المتواترة لسقوطها في القراءة الأخرى أولى من دعوى تقديرها في تلك القراءة لثبوتها في القراءة المتواترة بل قد ادعى بعض أنه ينبغي حمل قراءة إسقاط عَنِ على إرادتها لأن حذف الحرف وهو مراد معنى أسهل من زيادته للتأكيد، على أنه يبعد القول بالزيادة هنا الجواب بقوله تعالى: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فإنه المراد به اختصاص أمرها وحكمها بالله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فيقسمها النبي عليه الصلاة والسلام كما يأمره الله تعالى من غير أن يدخل فيه رأي أحد، فإن مبني ذلك القول القول بأن السؤال استعطاء ولو كان كذلك لما كان هذا جوابا له فإن اختصاص حكم ما شرط لهم بالله تعالى والرسول صلّى الله عليه وسلّم لا ينافي إعطاءه إياهم بل يحققه لأنهم إنما يسألونه بموجب شرط الرسول عليه الصلاة والسلام الصادر عنه بإذن الله تعالى لا بحكم سبق أيديهم إليه أو نحو ذلك مما يخل بالاختصاص المذكور.
وحمل الجواب على معنى أن الأنفال بذلك المعنى مختصة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا حق فيها للمنفل كائنا من كان لا سبيل إليه قطعا ضرورة ثبوت الاستحقاق بالتنفيل، وادعاء أن ثبوته بدليل متأخر التزم لتكرر النسخ من غير علم بالناسخ الأخير، ولا مساغ للمصير إلى ما ذهب إليه مجاهد وعكرمة والسدي من أن الأنفال كانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصة ليس لأحد فيها شيء بهذه الآية فنسخت بقوله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال: ٤١] لما أن المراد بالأنفال فيما قالوا هو المعنى الأول حسبما نطق به قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ [الأنفال:
٤١] الآية، على أن الحق أنه لا نسخ حينئذ حسبما قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، بل بين هنا إجمالا أن الأمر مفوض لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشرح فيما بعد مصارفها وكيفية قسمتها، وادعاء اقتصار الاختصاص بالرسول صلّى الله عليه وسلّم على الأنفال المشروطة يوم بدر بجعل اللام للعهد مع بقاء استحقاق المنفل في سائر الأنفال المشروطة يأباه مقام بيان الأحكام كما ينبىء عنه إظهار الأنفال في مقام الإضمار، على أن الجواب عن سؤال الموعود ببيان كونه له عليه الصلاة والسلام خاصة مما يليق بشأنه الكريم أصلا.
وقد روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأعجبني فجئت به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف فقال عليه الصلاة والسلام: ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الأنفال فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وقد صار لي فاذهب فخذه،
وهذا كما ترى يقتضي عدم وقوع التنفيل يومئذ وإلا لكان سؤال السيف من سعد بموجب شرطه


الصفحة التالية
Icon